مؤجلة الخيارات أمام الفلسطينيين، إذ من المبكر الحديث عن حل السلطة، أو إعلان دولة تحت الاحتلال، أو دولة لشعبين، ولكن ليس من بين الخيارات استمرار الحال على حاله، لقد أحدث القرار الأميركي زلزالاً عالمياً، فبالإضافة إلى الرفض الرسمي الذي صدر عن معظم دول العالم، فإن الحراكات الشعبية ليست مقتصرة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ونقصد هنا وفق تعريفنا الذي فرضه القرار الأميركي كل أرض فلسطين التاريخية المحتلة.

الولايات المتحدة لم تكتف بما اتخذه رئيسها من قرار مجحف مزلزل، تسبب بعزلتها دولياً، وإنما مضت بعناد نحو تأكيد تمسكها بقرار رئيسها، فأعلنت أن حائط البراق، يعود للسيادة الإسرائيلية.

سيتأكد هذا العناد على هذه السياسة الخرقاء، اليوم، حين ينعقد مجلس الأمن الدولي بطلب من المجموعة العربية، والذي سيناقش مشروع قرار عربي لتأكيد قرارات الأمم المتحدة، وإبطال أي بعد قانوني أو سياسي أو أخلاقي للقرار الأميركي.

الولايات المتحدة ستستخدم حق الفيتو لإفشال القرار الذي سيحظى على الأرجح بإجماع دول أعضاء مجلس الأمن، فتكون قد وضعت نفسها خارج إطار الالتزام بقرارات الأمم المتحدة، وبما يضرب مصداقيتها كدولة كبرى، إزاء حفظ الأمن والسلام الدوليين.

وهكذا تؤكد الولايات المتحدة، أنها شريك كامل لدولة الاحتلال، وتتميز ببعض صفاته الأساسية، ومن ضمنها عدم الالتزام بقرارات الجماعة الدولية، بما يجعلها تستحق وصف الدولة المارقة.

ورغم المساعي التي بذلتها وتبذلها كل من إسرائيل والولايات المتحدة لإقناع دول أخرى بالمبادرة للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفاراتها إليها، إلاّ أن هذا لم يحصل، وسيكون من الصعب على دول أخرى أن تفعل ذلك في ضوء الإجماع الدولي. هذا ليس حكماً نهائياً، فثمة دول صغيرة، ميكرونيزية، محدودة العدد والأهمية يمكن أن تقدم على ذلك في وقت لاحق، غير أن هذا لو حصل فلن يشوه المشهد العام للإجماع الدولي.

ثمة من يتساءل عن الزمن الذي ستستغرقه الاحتجاجات الشعبية التي تجتاح الكثير من المدن الأجنبية والإسلامية، والتشكيك في استمرارها ينسحب على الاحتجاجات الشعبية الفلسطينية التي تعتقد إسرائيل أن بالإمكان استيعابها. تجربة الأيام العشرة التي مرت منذ إعلان ترامب قراره ينبغي أن تخضع للدراسة من قبل كل الأطراف المهتمة، وأولها الطرف الفلسطيني. كثيرة الشكوى الفلسطينية من تراجع مكانة وأهمية القضية الفلسطينية في الإطار العربي، الذي يعاني الأمرّين نتيجة الصراعات والانقسامات التي تجتاح الأمة العربية. بعض الأنظمة العربية قرأ هذا المشهد، بل وبعضها ساهم في صياغته، ما نشأ عنه محاولة التملص من التزاماته تجاه هذه القضية لصالح أولويات أخرى. بعض هذه الأنظمة يعتقد أن سلامة رأسه وحماية استقراره تكون بالانفصال عن قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه، فذهب يقيم حساباته على أساس إما أن يتنازل الفلسطينيون عن بعض من أهمّ حقوقهم وإما عليهم أن ينتظروا حكم التاريخ في صراعهم مع الاحتلال. كل ذلك من أجل إزالة العقبات من طريق التطبيع مع إسرائيل والتعاون معها، على خلفية التوافق على أولوية الخطر الإيراني.

هنا لا بد من استخراج الدرس، والتذكير به، مرة وألف مرة وهو أن فلسطين مفتاح الحرب والسلام، وهي الطريق إلى الاستقرار، ودونها لن ينجو أحد. إسرائيل الحليفة المرغوبة اليوم من قبل بعض الدول العربية، هي الإدارة الأساسية التي ستنقلب على حلفائها وتستهدف وجودهم وأموالهم، ومجتمعاتهم. إذن فأمر التحركات الجماهيرية، والسياسية، والحقوقية مرهون بالقرار والموقف الفلسطيني الذي ينبغي أن يكون وطنياً جامعاً. ليست هناك أي معارك ميؤوس منها، فحتى لو استخدمت أميركا الفيتو في وجه مشروع القرار العربي لمجلس الأمن، فإن الرئيس محمود عباس قال: إن ثمة إمكانية قانونية لإبطال تصويت الولايات المتحدة، استناداً إلى مواثيق الأمم المتحدة.

المهم أن يحزم الفلسطينيون أمرهم، وألا يلتفتوا إلى الوراء أو إلى أي محاولات يمكن أن تُزيِّن أو تُخفِّف قبح السياسة الأميركية، أو أن تشغلهم عن إدارة معركتهم، نحو كل حقوقهم.

في هذا السياق، ينتظر الناس الذين يخرجون إلى الشوارع، وساحات المواجهة والاشتباك، أن تتواصل الجهود لإتمام وإنجاح المصالحة التي توقفت دون أسباب مقنعة، ودون أن يعرف الناس ما إذا كانت عملية التمكين قد تحققت أم لا.

نائب رئيس حركة "فتح" الأخ محمود العالول، أكد في تصريحاته جملة من الحقائق السياسية التي أغاظت منسق الشؤون الأمنية الإسرائيلي في الضفة الغربية، وكان جزء مما قاله: إن عملية التمكين قد تمت بنسبة عالية ومُرضية. إذا كان الأمر كذلك فإن الناس لم يلمسوا أي خطوة عملية باتجاه تحريك أوضاعهم وتسكين بعض شكاواهم. الأنظار مشدودة إلى اجتماع اللجنة التنفيذية للمنظمة، التي عليها أن تتخذ قرارات سياسية واضحة وشاملة، تمهيداً للطريق أمام اجتماعات وحوارات وطنية شاملة، سواء عبر المجلس المركزي أو عبر أي إطار قيادي مؤقت أو غير مؤقت. الدرس الفلسطيني لا يكتمل إلاّ باكتمال وحدة الشعب والمؤسسة والقرار الوطني الجامع.