صوت أمس مجلس الأمن الدولي على مشروع القرار المصري، الذي يرفض أيَّة تغييرات على وضع القدس عاصمة الدولة الفلسطينية الأبدية، ووقف العالم بدوله الأربعة عشر في مقابل الولايات المتحدة، التي استخدمت حق النقض الفيتو ضده. وأكدَّ المتحدِّثون من كافة الدول على إدانة قرار الرَّئيس ترامب، واعتبروه قراراً منافياً ومتناقضاً مع قرارات الشَّرعية الدولية، ومخلاً بركائز عملية السَّلام، ومعطلاً لمسيرة التَّسوية السِّياسية، ومهدداً للأمن والسلم في المنطقة، ومولداً للإرهاب والعنف في المنطقة والعالم.

وباستخدام الولايات المتحدة حق النقض ضد القرار، تؤكد عدم حرص الإدارة الأميركية أولاً على دورها مجدداً كقطب رئيسي في صناعة السَّلام؛ ثانياً دعمها ووقوفها بشكل سافر إلى جانب الاستعمار الإسرائيلي دون وجه حق؛ ثالثاً إصرارها على عزل نفسها عن خيار العالم ككل ودون استثناء؛ رابعاً ضربها عرض الحائط بمواثيق وقرارات الشَّرعية الدولية ومرجعيات عملية السَّلام بما في ذلك خطة خارطة الطريق ومخرجات مؤتمر انابولس الأميركية، ومواقف الإدارات السابقة منذ أربعة وعشرين عاماً خلت.

هذه السياسة الأميركية العدمية تحتم على دول وشعوب العالم العمل على الآتي: أولاً التصدي للتغول الأميركي المنحاز للاستعمار الإسرائيلي؛ ثانياً دعم حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، وضمان الانسحاب الإسرائيلي من أراضي دولة فلسطين المحتلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وأولاً وقبل كل شيء من القدس عاصمة دولة فلسطين المحتلة؛ ثالثاً تبني التَّوجه الفلسطيني باعتماد الأمم المتحدة كمرجعية وحيدة للإشراف على عملية السَّلام؛ رابعاً الدعوة لمؤتمر دولي عاجل في أي مكان يتم الاتفاق عليه لتحديد وترسيم التسوية السِّياسة وفق المعايير والقرارات الدولية 242 و338 و476 و478 و2334 وغيرها من القرارات؛ خامساً استخدام الضغط والعقوبات السِّياسية والاقتصادية والأمنية ضد دولة التطهير العرقي الإسرائيلية لإلزامها باستحقاقات عملية السَّلام؛ سادساً اعتراف كل الدول التي لم تعترف بدولة فلسطين للاعتراف بها فوراً رداً على الفيتو الأميركي، والتعنت الإسرائيلي.

لم يعد أمام دول العالم المناصرة والمؤيدة للسلام إلا تبني مواقف واضحة وصريحة وجريئة لمواجهة التحدي والصلف الأميركي والإسرائيلي. لأن البقاء في دائرة الانتظار للتراجع الأميركي والإسرائيلي يعني إدامة الاستعمار الإسرائيلي، ودفع المنطقة برمتها إلى دوامة العنف والإرهاب والحروب، وهو ما سيؤثر على حوض البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي سيطال دول العالم بشظاياه، ويهدد السلم والأمن العالميين. والعالم في الوقت الذي يحارب فيه الإرهاب والعنف، لا يمكن أن يقبل الصمت أو الخضوع للسطوة الأميركية المتناقضة مع التوجهات العالمية.

قرار الفيتو الأميركي الجديد، هو عنوان لدفع العالم إلى متاهات الفوضى والإرهاب، وهو ما يسلح القيادة الفلسطينية والدول العربية الشقيقة ودول العالم وخاصة الأقطاب الرئيسية الإتحاد الأوروبي والإتحاد الروسي والصين والهند وغيرها من دول العالم بالقوة في الدفاع عن العدالة النسبية، والوقوف بشجاعة لجانب الحقوق السياسية الفلسطينية، التي انتهكت على مدار السبعين عاماً الماضية من عمر الصراع العربي الإسرائيلي. وعلى القيادة الفلسطينية المضي قدماً في خيارها الوطني للدفاع عن حقوق الشعب الثابتة، ونفض يدها مرة وإلى الأبد من أثقال وأعباء الرعاية الأميركية الفاشلة والبائسة، كونها أثبتت للمرة الألف إنها ليست أهلاً لرعاية عملية السلام، لأنها تتطابق مع الرؤية الاستعمارية الإسرائيلية، وتهدم جدران وركائز عملية السَّلام. وباعتماد ما جاء في خطاب الرئيس أبو مازن أمام قمة منظمة التعاون الإسلامي كأساس لبرنامج النهوض الوطني، كما حصل في اجتماع القيادة أمس، يتحتم عليها وضع الآليات المناسبة لتطبيقه على الأرض، ودعم الكفاح السلمي الشعبي لتعزيز الجهود السِّياسية والدبلوماسية، وزيادة كفلة الاستعمار الإسرائيلي، وعدم الرضوخ لأية عوامل ابتزاز من هذا الطرف أو تلك الدولة، لاسيما وأنَّ الشَّعب والقيادة يتناغمان ويتكاملان في صياغة ملامح المرحلة الجديدة والنوعية من الكفاح الوطني.