أول أمس السبت ظهراً أعلن الشيخ سعد الحريري من الرياض العاصمة السعودية استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية وقبل أن ينهي عامه الأول، ومع مرور عام على تولي الرئيس ميشال عون ولايته كرئيس للجمهورية، وقبل إجراء الانتخابات البرلمانية اللبنانية في مايو/ أيار القادم. جاءت الاستقالة مفاجئة وصادمة للرئيس اللبناني والوزراء والنخب السياسية والشعب اللبناني عموماً. حيث لا يوجد مقدمات معلنة أو محفزة لها. رغم أنَّها لم تفاجئ بعض اللبنانيين ولا المتابعين للتطورات في الإقليم ولا في أروقة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والعالمية وخاصة الـ"سي آي إيه"، لأنَّ توليه رئاسة الحكومة جاء بعد توافق إقليمي ودولي على حل معضلة الفراغ الرئاسي، وحصول سعد الحريري الضوء الأخضر من أولي الأمر.
في خطاب الاستقالة حَّمل الحريري الابن المسؤولية للدور الإيراني ولحزب الله اللبناني، وهو ما اعتبرته الخارجية الإيرانية تحريضاً مرفوضاً، وأكدت أنَّ من يقف وراءها إسرائيل وأميركا والسعودية لأهداف وغايات إقليمية ولخلط الأوراق في الساحة اللبنانية، وكشكل من أشكال رد الاعتبار الأميركي بعد هزيمة تنظيم "داعش" في سوريا والعراق. وقبل نشر المقال سيكون ألقى نصرالله أمس الأحد مساءً خطاباً لقراءة أسباب وخلفيات الاستقالة. ولا يعتقد أي مراقب خروج السيد حسن عن المنحى الإيراني، مع تركيز على الوضع اللبناني وجبهة الجنوب، وعلاقة ذلك بالتطورات الجارية في سوريا.
مما لاشك فيه إن الاستقالة أحدثت فراغاً حكومياً مهماً سيتم تجاوزه بالضرورة خلال فترة وجيزة حتى ولو بحكومة طوارئ في حال حصل تطورات مفاجئة. وخلقت إرباكاً شديداً في الشارع اللبناني والساحة السياسية خصوصاً، وسيكون لها تأثيرات سلبية على الاقتصاد والعملة اللبنانية، رغم أنَّ رئيس مصرف لبنان، أكد أنَّ الليرة اللبنانية لن تتأثر. لكن تقديره يمكن أن يكون متسرعاً، أو الاحتمال الأكبر أنَّه شاء طمأنة للبنانيين أكثر من أي اعتبار آخر.
اختيار الشيخ سعد الرياض مكاناً للاستقالة له دلالات واضحة وجلية على المشهد اللبناني، حيث ربط بشكل مباشر بين الاستقالة وموقعه في معادلة الصراع الدائر في الإقليم، الذي على ما يبدو سيشهد تطورات دراماتيكية في المستقبل المنظور؛ وهو ما دفعه لتأكيد ولائه الكامل للمملكة العربية السعودية والحلف الذي تقوده في بيان الاستقالة من خلال الهجوم على إيران وذراعها العسكري في لبنان (حزب الله). وإدراكاً منه أن الساحة اللبنانية مقبلة في قادم الأيام على تطورات عاصفة خاصة في جبهة الجنوب والضاحية الجنوبية في العاصمة بيروت والبقاع، لذا أستبق الأمور ونأى بنفسه عن المشهد القادم، الذي لا يريده، ولا يستطيع تحمل تبعاته.
زلزال الحريري لم يأت كقفزة في الهواء، بل جاء مدروساً وبالاتفاق مع القيادة السعودية وبالضرورة مع الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا المعنية بالملف اللبناني. وهو ما يؤكد أن الساحة اللبنانية باتت قاب قوسين أو أدنى على مفترق طرق صعب وخطير، عنوانه الرئيس الحرب الإسرائيلية القادمة، التي حملت استقالة رئيس الحكومة اللبنانية مؤشراً قوياً على أنَّها أمست قريبة جداً. ولن تتوقف العملية السياسية الجراحية في لبنان عند حدود الحرب الإسرائيلية وما تحمله من تدمير هائل للبنى التحتية وعلى المدن اللبنانية، إنما سيكون لها تداعيات على تركيبة الخارطة السياسية اللبنانية المستقبلية، التي قد تغير من المعادلة القائمة جذرياً.
لبنان بعد الاستقالة أصبح على صفيح ساخن جداً. وبالضرورة الإقليم سيشهد تحولات كبيرة إذا صدقت سيناريوهات الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في الإقليم. لكن ليس بالضرورة أن تنجح تلك السيناريوهات في حال حدثت تطورات عالمية ذات صلة بالملف النووي الإيراني وبما يجري على الساحتين اللبنانية والسورية. بتعبير آخر لا شيء مؤكد، وفي ذات الوقت كل الاحتمالات واردة ومطروحة على طاولة التنفيذ، بعد أن درست وأعدت من قبل جهات الاختصاص المعنية. ولا يملك المرء سوى أن يدعو للبنان بالخروج سالماً معافى من التداعيات الخطيرة المفترضة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها