بالتزامن مع احتفال الحكومة البريطانية بإحياء احتفالاتها بمرور مائة عام على وعد بلفور والجريمة المستمرة منذ قرن من الزمان ومشاركة نتنياهو في هذه الاحتفالية  وتملق نتنياهو بأنه يبحث عن موديلات ونماذج للسيادة الفلسطينية على الأرض، ومع اقتراب نهاية العام الأول لإدارة ترامب في الحكم وسعيها الحثيث لبلورة إطار حل يشجع الفلسطينيين والإسرائيليين على البدء بمفاوضات ثنائية مباشرة برعاية أمريكية وبغطاء إقليمي، وبالتزامن مع توقع الفلسطينيين إن تكون الإدارة الأمريكية قد استوفت تحضيراتها للتقدم بأفكار ايجابية للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي قبل نهاية العام الجاري.  ولعل نتنياهو يدرك أن الأمريكان سيطرحون أفكاراً لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس تطبيق حل الدولتين  وهذه الأفكار قد تختلف قليلاً عما يريد أو يخطط لذلك فان ما يشغله هذه الأيام هو البحث عن شكل للدولة الفلسطينية التي تلبي متطلبات المصلحة الإسرائيلية وبالتالي تكون تحت الوصاية الإسرائيلية بالكامل.

خلال مشاركة نتنياهو في احتفالات بريطانيا التي أعلنتها رئيس وزراء بريطانية العنصرية (تيريزا ماي) أراد نتنياهو أن يظهر لبريطانيا والعالم انه معني بالسلام مع الفلسطينيين وإنهاء الصراع وبالتالي قال خلال كلمة ألقاها في معهد "تشتهام هاوس" في لندن أنه يتوجب التفكير في نماذج جديدة للسيادة الفلسطينية على الأرض بما فيها الحدود المفتوحة "منعًا للوصول إلى نموذج مشابه لنموذج غزة وجنوبي لبنان" مضيفاً "حيثما خرج الجيش فإن الإسلام المتشدد يحل مكانه" كما وتحدث نتنياهو عن الاستيطان في الضفة الغربية واصفاً فكرة إخلاء المستوطنين من الضفة بـ"التطهير العرقي "ولعل نتنياهو هنا يريد أن يصور للعالم إن وجود الاستيطان بالضفة الغربية حق لدولة إسرائيل باعتبارها ارض إسرائيلية وبهذا ينكر نتنياهو حق الفلسطينيين في  أرضهم وبالتالي حقهم في تقرير المصير وتقرير من يسكن أرضهم، كما ويصور نتنياهو للعالم أن الفلسطينيين هم المحتلين والغاصبين لأرض إسرائيل وهنا  يكرر نتنياهو قلب الحقائق وتزيف الوقائع التاريخية.

لا اعتقد أن المجتمع  البريطاني كله يصدق نتنياهو ويعتبره رجل مرحب به في بريطانيا ويتعاطف مع إسرائيل في الوقت الذي تتعاطف فيه رئيسة وزراء بريطانيا  مع إسرائيل وما تمثل في  الاحتفال بمرور مائة عام على بلفور وقالت "إنها فخورة بما قامت به بريطانيا قبل مائة عام"  ولعل هذا يمثل أحياء للجريمة التي ارتكبتها بريطانيا بحق الفلسطينيين والتي كانت ومازالت سبب معاناة الفلسطينيين وسبب للجرائم الإسرائيلية المنظمة والتي ينفذها الجيش الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين في كل أنحاء الأراضي المحتلة،  هناك  في لندن كان نتنياهو يتحدث عن تطرفه وعنصرية دولته في الوقت الذي خرجت فيه جموع المتظاهرين من أبناء المجتمع البريطاني  الداعمين للقضية الفلسطينية وفكرة السلام العادل الذين يعرفون الحقيقة ويعرفوا إن إسرائيل دولة احتلال ويعرفوا إن دولتهم سبب هذا الاحتلال الذي يرتكب الجرائم تلو الجرائم من قتل وهدم البيوت وترحيل الفلسطينيين عن قراهم و بيوتهم مزارعهم وتحويلهم إلى لاجئين بلا حقوق رافعين لافتات كتب عليها " وعد بلفور أدى إلى النكبة الفلسطينية، كما كتب على لافتات أخرى "الحرية لفلسطين".

 نتنياهو أكد في لندن انه يبحث عن موديلات لدولة فلسطينية  غير مستقلة وليس لها سيادة كاملة على الأرض  والأمن وليس لها حدود بل انه أكد أن الدولة الفلسطينية مفتوحة الحدود بدون السيطرة على المجال الجوي والبحري،  وما قاله نتنياهو هنا ليس من اختراع نتنياهو الشخصي بل إن كل الأحزاب الإسرائيلية وحتى الأحزاب التي تؤيد  الحل السياسي على أساس حل الدولتين باتت بنفس الرؤيا وبنفس تصور نتنياهو ولا يوجد اختلاف في إسرائيل كبير سواء في الائتلاف الحاكم أو خارجه، ولا اعتقد إن أحداً في إسرائيل اليوم يرغب في سلام حقيقي قائم على العدل ويرغب في منح الفلسطينيين حق تقرير المصير ليتمكنوا من إقامة دولتهم المستقلة على كامل تراب العام 1967 وعاصمتها القدس على أن تكون هذه الدولة خالية من التواجد اليهودي بالكامل  وتتواصل الدولة الفلسطينية جغرافياً مع أجزائها وأطرافها والعالم الخارجي. ولا اعتقد إن سلاماً يمكن أن يسود المنطقة بغير دولة فلسطينية بهذه الواصفات  ولا احد يمكن أن يقبل بدولة دون سيادة  حقيقية على الأرض والبحر والجو والحدود مع الدول المجاورة ولا يمكن لأحد أن يقبل بدولة فلسطينيين دون القدس ودون عودة اللاجئين

إن ما يحاول نتنياهو بلورته اليوم ليس فكرة وليس نموذجاً لدولة فلسطينية وإنما مخطط بدأ بالتنفيذ بالفعل قبل هذا الوقت بتكريس الاستيطان وتسريعه بالضفة الغربية  وعزل الضفة الغربية عن غور الأردن  الذي تسارع إسرائيل وجيشها لاعتبار كافة الأراضي الواقعة مع الحدود الأردنية مناطق عسكرية سيتم تسليم مساحات كبيرة منها لصالح البناء الاستيطاني، يهدف المخطط لقطع  الطرق الواصلة بين المدن الفلسطينية والقرى وعزلها عن القدس فلا تواصل بين رام الله والقدس ولا تواصل بين الشمال والجنوب ولا تواصل بين غزة والضفة الغربية ولعل  خطة "القدس الكبرى" جزء من هذا المخطط والتي بدأت بمشروع تكبير محيط القدس وعزل القرى الأحياء العربية عن محيطها وحصار المدينة المقدسة بحزام من المستوطنات اليهودية، ويتحدث المخطط عن ضم إسرائيل لخمس مستوطنات كبيرة  لمدينة القدس، مقابل إخراج مخيم شعفاط للاجئين، وكفر عقب وعناتا منها، ما يهدد (140) ألف فلسطيني بالخروج من القدس أكثر من نصفهم يحملوا الهوية المقدسية وبهذا تكون إسرائيل ثبتت على الأرض الحل الذي تريده  وتتفاوض إسرائيل عليه وليس غيرة والحل الذي تريد أن تعتمده الإدارة الأمريكية ويقبله المجموع الإقليمي.