بقلم: عمر حلمي الغول  

الوحدةُ الوطنية الفلسطينية ليست ترفًا أو شعارًا أو مصلحةً شخصيّةً أو حزبية، بل هي مصلحة وطنية إستراتيجية، وهي رافعة من روافع النّضال الوطني التحرُّري، لا يمكن لأيِّ قوة سياسية أو حزبية أن تنجز مهمة الانعتاق من الاحتلال الإسرائيلي، وتحقيق الأهداف الوطنية في بناء الدولة المستقلة وذات السيادة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وضمان حق العودة للاجئين على أساس القرار الدولي 194 من دون وحدة الأرض، والشعب، والقضية، والبرنامج السياسي، وأدوات العمل الموحَّدة. وبالتالي أية قوة أو حزب أو حركة تعتقد في نفسها أنَّها قادرة على مصادرة دور ومكانة القوى الأخرى، والاستئثار بالقرار السياسي دون التكامل والتعاضد مع مكوّنات الشعب الأخرى، ودون العمل المشترك تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، الممثِّل الشرعي والوحيد، تكون ساذجةً ولا تفقه في مبادئ وعلوم السياسة شيئًا يُذكَر، وبتعبير آخر تكون متناقضةً مع المشروع الوطني، وتعمل لأجندات أخرى.

إذاً الوحدة الوطنية تحتلُّ مكانةً مركزيّةً بالنسبة للشعب الفلسطيني في مواجهة التحديات الإسرائيلية والأميركية، ومَن يدور في فلكها من عرب وعجم ومسلمين. حيث تتجلَّى قيمة الوحدة هنا في أنَّها أداة من أدوات المواجهة للاستعمار، وهي هدفٌ في ذات الوقت من أهداف العملية الكفاحية. وهذه الوحدة لا تُلغي التعددية، ولا حقَّ الاختلاف الفكري والعقائدي أو السياسي، وحرية الرأي والتعبير، والتنظيم، لا بل إنَّ الوحدة المرتكزة إلى قواعد بناء صلبة تشكل أرضية ملائمة جدًا لتعزيز وترسيخ الديمقراطية.

والوحدة في معادلة الكفاح الوطني التحرُّري ممرٌّ إجباريٌّ للكلِّ الوطني، مَن يحيد عنها أو يُدير الظهر لها، يكون خارجًا عن وحدة الصف والإرادة والأهداف الوطنية، بغض النظر عن الشعارات واللافتات والذرائع التي يمكن أن يروّجها هذا المنشق أو ذلك المنقلب على وحدة الصف. وإذا دقَّق المرء فيما يجري راهنًا بين حركتَي "فتح" و"حماس" لإعادة الاعتبار للوحدة الوطنية والقضية والنظام السياسي التعددي، يلحظ أن حركة "حماس" بعد أن اصطدمت بسلسلة من الأزمات والعقبات الداخلية والخارجية، لم يعد أمامها من مفر سوى العودة لحاضنة الشرعية الوطنية، وعلى أرضية تعميق خيار الشراكة السياسية.

وبالتالي كانت الوحدة الوطنية ممرًّا إجباريًّا بالنسبة لها، لأنَّها توطّنها في المشروع الوطني، وتحميها من مقصلة الشطب والإعدام، وتفتح الأُفق أمامها للإسهام بإنجاز المشروع الوطني، بالإضافة لمشاركتها في بناء مؤسّسات الدولة المختلفة. وأيضًا الوحدة بالنسبة لحركة "فتح" وباقي فصائل العمل الوطني، هي ممرٌّ إجباري، لأنَّه كما أشار المرء، لا يمكن لأي قوّة وطنية أن تنجز أهداف الشعب في الحُريّة والاستقلال وتقرير المصير والعودة دون وحدة الشعب والقوى والنخب والاتحادات والنقابات وممثّلي القطاعات الاقتصادية والثقافية والأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني. وبمقدار ما يتوحَّد الشعب الفلسطيني في إطار ممثّله الشرعي والوحيد على أُسس برامجية واضحة وآليات عمل محدّدة المعالم لا لبس ولا غموض فيها، بقدر ما يتمكّن الشعب وقيادته من تحقيق أكثر من هدف، منها: أولاً تعزيز الحضور الوطني في كل المحافل العربية والإقليمية والدولية؛ ثانيًا التصدي لكلِّ التحديات المستهدفة للشعب وقضيته الوطنية؛ ثالثًا درء الأخطار المحيقة بالشعب وبرنامجه الوطني، والحؤول دون تمكينها من بلوغ غاياتها؛ رابعًا قطع الطريق على أيَّة قوى معادية من التشكيك في مكانة الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، "م.ت.ف".

إذاً الوحدة الوطنية الفلسطينية حاجة ضرورية، ومهمة استراتيجية من مهمات القوى المختلفة، وهي أداة القوة المؤهّلة لكبح وإزالة المشروع الاستعماري الإسرائيلي عن الأرض الفلسطينية. وعليه مع تقدُّم عربة المصالحة الوطنية في أعقاب اجتماعات وفدَي حركتَي "فتح" و"حماس" في 10 و11 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي تُملي الضرورة على أبناء الشعب وقواه الحية ونخبه من كلِّ القطاعات تشكيل حاضنة دافئة للخطوات الإيجابية المعزِّزة للوحدة الوطنية، و"لوبي" وطني للتصدي لأي قوة داخلية أو خارجية تستهدفها. لأنَّ الشعب هو صاحب المصلحة الحقيقية في تحقيق وتجسيد الوحدة الوطنية.