بقلم: بكر أبو بكر  

   علي الحسن يعرفه الكثيرون في حركة "فتح" خاصّةً من جيل البدايات وتلاميذهم أمثالي، وفي جلّ الحركة دومًا يُقرن ذكره الطيّب بذكرى العملاق خالد الحسن أو هاني الحسن، فيتحقَّق الربط بين الإخوة لا سيما حين يفتح المتلقي -الذي لا يعرفه-فمه ويقول نعم، نعم عرفته، فهو من عائلة كلها قادة ومفكرين.

  عائلة الحسن التي نزحت من مدينتي حيفا إثر النكبة إلى لبنان فمختلف أصقاع الدنيا حتى المغرب أنجبت عددا من الاخوة الذين توزَّعوا على التنظيمات الفلسطينية ما بعد النكبة عام ١٩٤٨ما بين اليمين واليسار.

  كان خيار المفكِّر العربي العريق خالد الحسن الأول قبل حركة "فتح" أن أشترك في تأسيس حزب التحرير (الإسلاموي)، وكان من هاني الحسن أن تبنّى الخط القومي قبل انخراطه بالحركة، أمَّا بلال أخوهم الرابع المسيّس، فاتَّجه لليسار.

   كان من علي الحسن أن التزم بجماعة "الإخوان المسلمين" قبل أن يضمه حضن حركة التحرير الوطني الفلسطيني- "فتح" الواسع من دون أن ينزع أي من التنظيمات عن الأخوة سمةَ الحُريّة الفكرية والسّماحة والانفتاح إلى أن كان لقاء غالبهم في إطار حركة "فتح" خروجًا من الضيق إلى السِّعة.

 في حركة "فتح" بالكويت عرفتُ الأخ الكبير علي الحسن أبو أيمن الذي وهو بالحركة كانت عليه من آثار الاخوان المسلمين الكثير في تصلُّب الرأي النسبي رغم هدوء الطباع ورقة المعاملة، أبو أيمن التقيتُهُ، وأنا على أبواب الجامعة بصحبة والدي المناضل الكبير محمود أبو بكر صديق والدهم الشيخ "محمد سعيد" الحسن منذ حيفا، وكان لنصائح الوالد وأبو أيمن حسن الهداية في درب الجامعة.

  في المؤتمر الخامس لحركة "فتح" في تونس عام ١٩٨٩ التقيتُهُ، حيثُ حضر مودّعًا كما كان يقول إلَّا أنَّ وداعه تأخّر، فاستعانت به الحركة في وقت من أوقاتها العصيبة فترة الغزو العراقي للكويت، فلم يقعد، ولم يتأخَّر، وقدّم كلَّ ما لديه من عونٍ لا سيما مع علاقاته والعائلة الطيبة مع الإخوة الكويتيين.

انضمَّ علي الحسن لنا عام ١٩٩٠ عندما كنت عضوًا في لجنة الإقليم مستشارًا للجنة، وحضر الاجتماعات وشارك بفعالية، ولم تجِد حركة "فتح" أفضل منه ليُمثِّلها لدى السلطات الكويتية العائدة من المنفى.

  وقف علي الحسن بمهابة آل الحسن يتحدَّث أمام وزير الداخلية الكويتي بحضورنا كلجنة إقليم وفي ديوان الوزير، فأجاد التعبير عن الموقف والسياسات ومطالب ما تبقّى من فلسطينيين ورغم الرد غير الدافئ أبدًا من مُضيفنا -ما قد يعذر عليه حينها عام ١٩٩١- إلّا أن صلابة أبو أيمن استوعبت الرد، وخرج وفدنا ولم يدع للعلاقات أن تُقطع فتمسَّكنا بحبل ضعيف سرعان ما تمَّ جدله بجهود الأخ سالم أبو لغد، وأبو فتحي، والحاج محمد، ومن تبقّى من الاخوة في ذاك البلد.

علي الحسن الرجل الأديب المتزن ورجل التنظيم مثال لسعة المعرفة وحُسن الاستماع، لم يشذ عن ذات القاعدة التي جمعت الأخوة إلَّا في تميّزه الذي لحظته بكتابة الشعر الرائع، فلقد كان للقصيدة المهيبة التي كتبها راثيًا بها أخيه خالد الحسن أن أثّرت بي فقرأتها مرارًا وتكرارًا بين دموع سخيّة واستشعار لجمالية العلاقة بين الأخوين بشكل فاق الوصف.

  ربما لم أعرف الأخ أبو أيمن عن قرب كما حصل مع أخويه العملاقين، لكن مجال الاحتكاك المحدود معه وما سمعتُهُ عنه جعله جزءًا من مكنون فكري وملفات عقلي التي سرعان ما يتم استثمارها في كلِّ ملمة.

  دُفِنَ "أبو أيمن" علي الحسن في ١٣/١٠/٢٠١٧، بعد صلاة المغرب بالرباط، بحضور الأحزاب المغربية ومن تواجد من الجالية الفلسطينية.

  يغادرنا علي ليلحق بأخويه خالد وهاني، وإن كنّا نودعه فإنَّه بين يدي مَن لا تضيع ودائعه مع الشهداء والأنبياء والصدّيقين بإذن الله تعالى.