بقلم: يحيى رباح
تحيا مصر، شقيقتنا الكبرى، التي نجحت رؤيتها وجهودها ورعايتها في جعلنا فلسطينياً ندخل زمنًا جديدًا، زمن انتصار المصالحة والوحدة، بعد ما يزيد على عقد من الانقسام الأسود وتداعياته الكارثية ومناكفاته الضّارة، وحيثياته المخجِلة ومنظوماته التي تشبه الجنون، ولعلَّنا نستطيع أن نعرف حجمَ وقيمةَ هذا النجاح من خلال ردة الفعل السلبية التي عبَّر عنها نتنياهو وحلفاؤه مثل بينيت وليبرمان، وهي ردة فعل شبيهة بالجنون الشاذ، دلالةً على أن ذلك الانقسام الأسود كان بالنسبة لهم ذريعة كبرى لتنصل من كافة حقوقنا الفلسطينية، وسقوط هذا الانقسام وهزيمته هو ضربة شديدة لهذا التحالف اليميني الإسرائيلي المتطرِّف، وكلُّ من تساوق معهم طيلة أكثر من عشر سنوات من أطراف إقليمية ومحليّة أخرى، بل إنَّنا نكاد نرى من البعض لطماً للخدود حزناً على الانقسام الذي انكشف وسقط وانهزم إلى غير رجعة.
كما نستطيع أن نعرف عظمة الإنجاز من خلال ردات الفعل الإيجابية من جهات عديدة في المنطقة والعالم التي هنَّأت الرئيس أبو مازن على الإنجاز، وفي المقدّمة السيّد أنطونيو غوتيرس الأمين العام للأمم المتحدة.
وشكراً للشقيقة الكبرى مصر، على كرم الضيافة، وقوة الرعاية ابتداءً من فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، وامتداداً إلى المخابرات العامة المصرية التي استضافت ورعت المباحثات بين الوفدَين الفلسطينيين، وفد "فتح" برئاسة عزام الأحمد عضو مركزية "فتح"، وصالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، اللذين تميّزا بالكفاءة، وأُحيطا في القاهرة بكفاءة عالية في إدارة الحوار، طبقاً لأعلى معايير الانضباط، وإبعاد الصحافة بكل أشكالها حتى لا يحدث هناك أي نوع من التشويش، وحتى يتم التركيز على النجاح وسد كافة المنافذ والشقوق التي يمكن أن يتسرَّب منها الفشل، وكان شعبنا طيلة أيام المحادثات في حالة عالية من التنبه والاستبشار والمتابعة، حتى أنَّ كل صرخات المتشائمين تبدَّدت بلا جدوى.
وبعد أن أصبح الطريق سالكاً تماماً يبدأ التنفيذ بداية بتمكين حكومة التوافق من ممارسة صلاحياتها كاملة حسب القانون دون انتفاص أو تورية، ومع قوة وثقة الاندفاع والزخم المتواصل لإنهاء الانقسام بكل ذيوله والنهوض بالمصالحة والوحدة بكل حضورها وإنجازاتها.
الحقيقة الفلسطينية أكبر كثيراً من إمكانيات تجاوزها، والرواية الفلسطينية أصبحت بفعل حضورنا الإيجابي والفاعل رواية متداولة وأصبحت جزءاً من طموح العالم لهزيمة الإرهاب وحضور السلام، وبالتالي تزداد مكانتنا في العالم، ويزداد الإيمان بأنَّ دولة فلسطين حين تكتمل قيامتها ستكون مشاركة بفعالية في سلام العالم وآمنة وليست عبئا على كاهل أحد، وارتفاع الصوت المعادي لحلِّ الدولتين في الحكومة الإسرائيلية لا يستطيع أن يغطي على حضور ومصداقية الحقيقة الفلسطينية، وكلما كان الصراخ الإسرائيلي عالياً بلا منطق، تتجدَّد الثقة بأنَّنا نسير في المسار الصحيح، وهذا المسار نريد أن نصوغه بشكل أقوى من خلال وحدتنا شعبًا وأرضًا في برنامج وطني، وبرنامج سياسي وطني واحد، وإدارة تنفيذية واحدة، وهدف واحد، حضور فلسطيني في دولة واحدة عاصمتها القدس الشرقية، دولة كاملة الاستقلال، قادرة على حمل آمال وأحلام شعبها، ومساهمة بشكل فاعل بعملية سلام المنطقة والعالم، ثرية بتنوع الرؤى، وتعدد الإبداع، مرتكزةً إلى كثرة التجارب وعمق الوعي، فأهلاً بفلسطين التي تهزم الانقسام، وتضيء بالمصالحة والوحدة وتبلسم الجرح.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها