الكيانية الفلسطينية، ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية "م.ت.ف" والسلطة الوطنية الفلسطينية، تواجه استهدافًا مزدوجًا ومعقدًا من إسرائيل وإيران معًا.
وتسعى الأولى "إسرائيل" لتقويض المشروع الوطني الفلسطيني برمته، بينما تدعم الثانية إيران حركات مثل حماس والجهاد الإسلامي، التي تعمل بدورها على إضعاف السلطة الفلسطينية وتحدي سلطتها سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية، ما يهدد وحدة الفلسطينيين ويضعف قدرتهم على مواجهة التحديات المعقدة والمركبة التي تواجه نضالهم من أجل الحرية والاستقلال.
الاستهداف الإسرائيلي: رفض الكيانية الفلسطينية: "إسرائيل"، خصوصًا في ظل حكومات اليمين المتطرف المزدوج، تسعى إلى إضعاف وتصفية الكيانية الفلسطينية من خلال مايلي:

- أولاً: رفض حل الدولتين: إسرائيل ترى في إقامة دولة فلسطينية مستقلة تهديدًا وجوديًا لمشروعها الاستيطاني والتوسعي الذي يسعى ليشمل كامل  الأراضي الفلسطينية بل قد يتجاوزها إلى دول الجوار لبنان وسوريا والأردن والعراق.

- ثانيًا: العمل على تعميق الانقسام الفلسطيني: تعتبر إسرائيل الانقسام الداخلي الفلسطيني فرصة وذريعة لرفض وانعدام وجود أي "شريك فلسطيني" يمكن التفاوض معه، ومن هنا رعت إسرائيل هذا الانقسام وعملت على إدامته وتعميقه، طيلة ستة عشر عامًا   مضت قبل أن يقع العدوان الأخير، وقد وفرت وسهلت له بل ونقلت له الدعم المالي القطري  مباشرة بواسطة السفير القطري العمادي.

- ثالثًا: إسرائيل تعمل على تقويض السلطة الفلسطينية وإضعافها: تستخدم "إسرائيل" من أجل ذلك أدوات متعددة، اقتصادية، وسياسية وأمنية، وعسكرية لإضعاف السلطة، مثل حجز أموال المقاصة والضرائب الفلسطينية أو مصادرتها، تصعيد نشاط الاستيطان، واعتداءات المستوطنين، وسياسة الإجتياحات لمناطق السلطة الفلسطينية، والإعتقالات، والإغتيالات، ونشر الحواجز في عموم  الأراضي الفلسطينية، وتعمل كل ما يعيق تطور مؤسسات السلطة  الفلسطينية، وتحول دون تطورها وارتقائها، كمؤسسات دولة مستقلة مستقبلاً.

- الدور الإيراني في تقويض المشروع الوطني الفلسطيني:

إيران، من خلال دعمها لحماس والجهاد الإسلامي، تتبنى نهجًا يعزز  ويكرس الانقسام الفلسطيني ويضعف السلطة الفلسطينية، ويحول دون تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني من خلال ما يلي:

- أولاً: استخدام دعم حركات المقاومة كأداة نفوذ لها: تقدم إيران دعمًا ماليًا وعسكريًا لحركتي حماس والجهاد، ليس فقط لمواجهة إسرائيل حسب الظاهر، بل لتحقيق أهدافها الإقليمية في المنطقة وتوظيفهما لمشاغلة إسرائيل حَسب ما سبق وإن صرح وأقر به المرحوم إسماعيل هنية على قناة الجزيرة مع الإعلامي أحمد منصور.

- ثانيًا: تعمل إيران على تعزيز الانقسام الداخلي الفلسطيني: تدعم إيران سيطرة حماس على قطاع غزة منذ انقلابها فيه على السلطة صيف 2007، مما يعيق تحقيق استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية ويقوض بالتالي كافة الجهود نحو العمل على إقامة دولة فلسطينية مستقلة في حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس وفق قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعيةالدولية، وتدعم إيران التمرد على السلطة من قبل حركات المقاومة حماس والجهاد في بعض المخيمات في الضفة مثل مخيم جنين وما يشهده من أحداث مؤخرًا.

- ثالثًا: تعمل إيران على إضعاف "م.ت.ف" وسلطتها الوطنية: ترى إيران في المنظمة وسلطتها، خصمًا سياسيًا لها، لا يتماشى مع رؤيتها للصراع  في المنطقة، كجزء من مشروعها الإقليمي التوسعي ومد الهيمنة والنفوذ في المنطقة العربية وفي الشرق  الأوسط.

- التداخل والتقاطع بين السياسات الإسرائيلية والإيرانية إزاء استهداف الكيانية الفلسطينية:

رغم التناقض الظاهري، فإن سياسات إسرائيل وإيران إزاء الكيانية الفلسطينية تتداخل وتتقاطع،  حيث تؤدي عمليًا إلى نتيجة واحدة، "هي إضعاف السلطة الفلسطينية، وتعميق الانقسام الفلسطيني، ما يُعيق تنفيذ مشروع إقامة دولة فلسطينية مستقلة".
إسرائيل تستغل الانقسام لتبرير ممارساتها العدوانية  وإجراءاتها التعسقية، وتهربها من التزاماتها كدولة محتلة، بينما تستخدم إيران دعمها لفصائل المقاومة لتعزيز نفوذها الإقليمي، ومشاغلة إسرائيل حسب تعبير المرحوم إسماعيل هنية.
على ضوء ما سبق أعلاه نطرح السؤال الجوهري  والذي يعني الكل  الفلسطيني، هل يمكن تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية؟.
الوحدة الفلسطينية تواجه  عقبات وتحديات كبيرة،  لكنها ضرورية لا بد منها لمواجهة الاستهداف الإسرائيلي والإيراني المزدوج للكيانية الفلسطينية.

- نقول يمكن تحقيقها عبر تحقيق الشروط التالية:

- أولاً: توفر إرادة سياسية حقيقية صادقة: يجب أن تدرك جميع الأطراف الفلسطينية أن الانقسام يهدد القضية الفلسطينية برمتها وليس فصيلاً أو جهة أو منطقة دون أخرى.

- ثانيًا: اعتماد برنامج وطني نضالي مشترك: أن يجري الاتفاق على رؤية سياسية تضم جميع الأطراف والقوى الفلسطينية بعيدًا عن المؤثرات والتدخلات الخارجية، تجمع بين أشكال النضال الممكنة والمختلفة والمتعددة والمشروعة، والعمل السياسي والقانوني والديبلوماسي، ما يمكن أن يشكل أساسًا للوحدة الوطنية الفلسطينية.

- ثالثًا: توفير دور إقليمي ودولي محايد: يجب أن تساهم أطراف إقليمية، عربية وإسلامية ودولية، في رعاية حوار وطني فلسطيني شامل، دون تدخلات منحازة لأي فصيل، سوى الإنحياز للمصلحة الوطنية الفلسطينية، وللمشروع الوطني الفلسطيني وتجسيد وحدة كيانية فلسطينية.

- رابعًا: العمل على إعادة بناء الثقة: يتطلب ذلك تقديم تنازلات متبادلة، خاصة من  قبل حماس والجهاد، واعترافًا منهما بدور "م.ت.ف" كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، والتخلي عن ارتباطهما بأي محاور أو تحالفات خارجية، من شأنها التأثير على القرار الوطني الفلسطيني المستقل، من دون ذلك ستبقى الوحدة الوطنية مطلبًا بعيد المنال، وتبقى القضية الفسطينية، ساحة للاسستثمار والإستقطاب، والرابح من ذلك هي إسرائيل والمستثمرين في الشأن الفلسطيني، كانوا دولاً أو جماعات عابرة للأوطان، مثل جماعة الإخوان المسلمين.

ختامًا نرى أن الإشكالية المركبة التي تواجه الكيانية الفلسطينية تتطلب معالجة شاملة تتجاوز الحسابات الفئوية والإقليمية.
الوحدة الوطنية ليست خيارًا سياسيًا فقط، بل ضرورة وشرط أساسي لمواجهة التحديات والاستهداف الإسرائيلي والإيراني المزدوج لها، واستعادة المشروع الوطني الفلسطيني على أسس سياسية واقعية وديمقراطية وشاملة، وعلى قاعدة القرار الوطني الفلسطيني المستقل.