بقلم: بكر أبوبكر

   يعرض الإعلامي المصري عزمي مجاهد على قناة العاصمة المصرية هجوما وتشدُّدا غير محمود ينطلق من الخاص الى العام، ومن القلة المسيئة إلى الكثرة البريئة، حيث يهاجم ويشتم ويتهم عموم الفلسطينيين بما لا يتفق مع النزاهة والموضوعية والحقيقة والاحترام، ولا مع حسن التواصل وتمتين أواصر المحبة التي لا تقطعها أبدًا إساءة من هنا أو من هناك لأشخاص أو لفئة أو جماعة محدودة.

على سبيل المثال هل يجوز لي إن قام فلان بمهاجمتي أو انتقادي أن أتصدّى له ليس بالرد على موقفه، وإنّما بالتعريض بعائلته وصولاً لقوميته أو دينه؟! مثل أن يقوم مسلم متطرف (أو أكثر) بتفجير نفسه فينشأ تيار في أوروبا يكره ويعادي كلَّ المسلمين؟! ومثل أن يقوم مصري في دولة خليجية بارتكاب جُرم ما فتقوم قيامة الصحف تطالب بطرد المصريين؟

كل هذا لا منطقي وتحريضي شعبوي، ويخرج من إطار الحرية الى إطار التهجم المرذول الذي يخلط المواقف وهي المتغيرة، سواء للافراد والجماعات، يخلطها بقضايا ذات صبغة شخصية أو قومية أو دينية عامة ويعممها، وهنا تقع الطامة الكبرى، وهو ذات ما حصل من الإعلامي المصري عزمي مجاهد الذي انطلق من الرد على "حماس" كما افترض، وعلى التيارات الاسلاموية المتطرفة ليشمل بتهجمه وشتائمه واتهاماته بشكل مباشر أو غير مباشر كل الشعب الفلسطيني مدعيا أنه بذلك يدافع عن مصر والرئيس السيسي، وما هو بذلك ألا يعبِّر عن نفسه وليس عن الشعب المصري العظيم كحال من انطلق للحديث ضدهم خاصة، ليعمِّم.

حتى "حماس" التي أشار لها الإعلامي المصري بالاسم سلبًا، والتي هي من نسيجنا، وإن كنا نختلف معها سياسيًّا بكثير من المواقف، قامت بتنفيذ مظاهرة حاشدة تأييدًا لمصر، ما يُفقد الدلالة التعميمية في كلام الاعلامي صحتها.

عمومًا نترك الشخص المذكور للإعلام الحر ليتعامل معه، ولا نرجو له ولإخوانه إلا كل الخير، فنقدم وردة مقابل سيل الحجارة.

ولكن ما لا يمكن السكوت عنه هو الاتهام التعميمي للجميع أنَّ الفلسطينيين "باعوا أرضهم"؟! والتي كررها الإعلامي المصري بحقد وعصبية وكراهية بادية 3 مرات مع عديد الكلمات المسيئة.

وهو ما سنرد عليه بالحقائق، رغم علمنا أن العالم قد تجاوز هذه المقولة الصهيونية من زمن طويل، وهي المقولة التي تقول أن الفلسطينيين خرجوا من بلادهم طواعية أو أنهم باعوا أرضهم ما أثبتت الأرقام والوقائع كذب هذه الدعاية الصهيونية، لنجيب عن السؤال من دراسة سابقة كنا قد نشرناها بالتالي نصًّا:

نتعرض بالنص هذا لنقض مقولة أن الفلسطينيين تركوا أرضهم طواعية أوباعوها أوهاجروا بإرادتهم مما انتشر في مرحلة من المراحل –وربما من بعض الأصوات المرجفة حتى الآن-مترافقًا مع ألم النكبة واللجوء والتشرد لنشير للتالي:

-       عندما تمكنت بريطانيا عام 1839 (أي قبل أكثر من 90 عام من استيلاء بريطانيا على فلسطين) من إقامة قنصلية لها في القدس في ظل الضعف العثماني، لم يكن أتباع الديانة اليهودية في فلسطين يتجاوزون 9700 فرد فقط لا غير.إرساء[1]

-       بعد أن سمح العثمانيون بعقد صفقات شراء لليهود الغربيين في فلسطين منذ العام 1849 استطاعوا إقامة بعض المستوطنات،إرساء[2] ولكنها في جميع الأحوال لم تتجاوز 0.8% من مساحة فلسطين لنسبة يهود بلغت في القرن 19 أقل من 3% من الفلسطينيين العرب أصحاب الأرض، وحتى عندما وصل عدد المستعمرات مع بداية القرن 20 الى 22 مستعمرة لم تزد النسبة وبقيت على حالها رغم تزايد أعدادهم إلى 34000 يشكلون 5.7% من السكان.

-  رغم كل الدعم المادي الخارجي والصيحات الاستعمارية ظلَّ عدد اليهود ومساحة الأرض المغتصبة في حدها الأدنى بحيث أنه في العام 1917 وكان عدد اليهود قد تزايد ما بين 60 – 80 ألف ليصبحوا في هاذا العام 7% معظمهم من غير الصهاينة ويملكون 2% من أرض فلسطين.

-  كان للسياسة الاستعمارية البريطانية-الصهيونية عمق الأثر في سرقة أرض فلسطين وتسليمها لليهود من جهة، اضافة لدعم الهجرة اليهودية وتشكيل نواة الدولة العبرية القادمة على قدم وساق إذ ارتفعت أعداد اليهود (1919-1933) إلى 12% يملكون 3% من الأراضي. إرساء[3] (الأراضي التي تسربت من يد الفلسطينيين لليهود حتى العام 1948هي 1% فقط حسب دراسة د.محسن محمد صالح الموثقة)

- وفي فترة الانتداب (الاحتلال) البريطاني المشئوم (1923-1948) تزايدت الهجرة المنظمة المدعومة من حكومة الاحتلال البريطاني لفلسطين لتصل عام 1948 قبل إعلان "بن غوريون" إنشاء الدولة إلى 605 ألف يهودي من أصقاع العالم المختلفة ما يمثل 30% من السكان، لم يستطيعوا أن يستولوا على الأرض رغم كل ذلك إلا بعد انشاء الدولة وتدمير 531 قرية (أو 400  حسب قائمة الرابطة الاسرائيلية للحقوق الإنسانية والمدنية ) وفي ظل بقاء 150000 فلسطيني تحت الحكم الاسرائيلي، إذ شرد قسرا 800 ألف من مجموع مليون و 400 ألف مواطن فلسطيني حينها.

- يشرح بدقة المؤرخ الاسرائيلي (إيلان بابيه) إرساء[4] في كتابيه الثمينين (التطهير العرقي في فلسطين) والعرب المنسيون (فلسطينيو 1948) وأوري ديفيس عضو المجلس الثوري لحركة "فتح" في كتابه (اسرائيل الابارتهايدية) آليات الطرد والترويع والقتل الصهيونية، وسلب الحقوق التي اتبعت جنبا الى جنب في 3 اتجاهات ضد الإنسان وضد الأرض وضد الذاكرة.

يتضح لنا من كل ما سبق أن هذه الارض التي تحتفي بأصحابها العرب الفلسطينيين حتى اليوم ما زالت تسمع ضحكاتهم وهدير أيامهم الصاخبة، وملاعب صباهم وآمال مستقبلهم، ومازالت رغم الهدم والردم والاغتصاب الصهيوني تكذّب مقولة أن الفلسطينيين تركوا بلادهم أو تخلوا عنها طواعية أو باعوها قبل أو اثر النكبة بشهادة الأرض والتاريخ،إرساء بل وبأقلام البحاثة والدارسين الجدد من المفكرين الاسرائيليين المنصفين أنفسهم.

 

الحواشي:

[1]   21. بيان الحوت (1991). فلسطين (القضية-الشعب-الحضارة): التاريخ السياسي من عهد الكنعانيين حتى القرن العشرين. دار الاستقلال للدراسات والنشر. بيروت، لبنان. ط1. ص: 297-298.

[2]  مازن قمصية (2011). المقاومة الشعبية في فلسطين: تاريخ حافل بالأمل والإنجاز. المؤسسة الفلسطينية لدراسات الديمقراطية (مواطن). رام الله. فلسطين. ص 48، وص 50

 [3]  دراسة الباحث عزيز العصا في جريدة حق العودة العدد 75، ويذكر د.محسن صالح في دراسة له حول الموضوع أن:  ((مجموع ما حصل عليه اليهود من أبناء فلسطين حتى سنة 1948 لا يتجاوز 1% من أرض فلسطين، وخلال سبعين عاماً من بداية الاستيطان والهجرة المنظمة لفلسطين، وتحت ظروف قاسية. وهذا بحد ذاته يبرز مدى المعاناة التي لقيها اليهود في تثبيت مشروعهم وإنجاحه في فلسطين، ومدى إصرار الفلسطينيين على التمسك بأرضهم)).

[4]  إيلان بابِه، مؤرخ إسرائيلي، ومحاضر رفيع المستوى في العلوم السياسية في جامعة حيفا. وهو أيضاً المدير الأكاديمي لمعهد "غفعات حبيبا لدراسات السلام"، ورئيس معهد إميل توما للدراسات الفلسطينية في حيفا. وقد ألف عدة كتب، أخرى غير ماذكرنا منها: A History of Modern Palestine (تاريخ فلسطين الحديثة)؛ The Modern Middle East (الشرق الأوسط الجديد)؛ The Israel/Palestine Question (قضية إسرائيل/ فلسطين).