إنتظر الشعب الفلسطيني خطاب إسماعيل هنية شهرين بعد فوزه برئاسة حركة حماس. لاسيما وان فوزه بالمركز الأول تلازم مع تطورات عصفت بالساحة العربية الرسمية وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، وايضا مع تصريحات ترامب في القمة الأميركية العربية والإسلامية في الرياض في 21 من مايو / ايار الماضي، التي أدرج فيها حماس ضمن قوائم " الإرهاب"، وتساوق نسبة كبيرة من العرب مع التوجهات الأميركية، ثم حدوث الإنفراجة النسبية بزيارة مصر، ولقاء وفد قيادي من حماس مع ممثلي جهاز المخابرات المصرية برئاسة يحيى السنوار، وما تلى ذلك من الإعلان عن تفاهمات حماس مع تكتل محمد دحلان، والدعم الإماراتي للخطوة.
خطاب ابو العبد تميز بالشمولية، حيث جال على كل القضايا المثارة في الساحة والإقليم، وتجرد أو تخفف من البعد الديني، لإعطاء مرحلته المبتدئة الآن مسحة مغايرة لمرحلة سلفه، خالد مشعل، ولإضفاء "مصداقية" على ما حملته الوثيقة السياسية الصادرة عن الحركة مطلع آيار/ مايو الماضي من "إبتعاد" حماس عن جماعة الإخوان المسلمين. وإتسم (خطابه الأول) بالإلتباس والغموض والصبغة الرمادية. فقال الشيء ونقيضه او أسقط مفاهيم لا تعكس الحقيقة على الأرض. ويمكن تقريب توصيف الخطاب بالوثيقة السياسية، التي تبنت فيها حماس سياسيا وإجتماعيا وعقائديا الكثير من القيم المتقدمة، التي تتناقض مع السياسات المطبقة على الارض عكسها. لكن الثابت في خطاب رئيس حركة حماس الجديد، هو المضي في خيار الإنقلاب وتكريس الإمارة على الأرض، واللعب على التناقضات القائمة في المشهد الداخلي والساحة العربية والإسلامية، لكسب الوقت عبر التسويف والمماطلة لتثبيت ركائز الإمارة، والرهان على حاجة المخطط الأميركي الإسرائيلي، الذي يعول على دور حركة حماس في رسم معالم الحل السياسي على المسار الفلسطيني الإسرائيلي.
أبرز المسائل، التي إستوقفتني في خطاب الولاية الأول، هي، اولا إدعاء زعيم حماس الجديد "رضوخ قيادة السلطة للإملاءات الأميركية" والضرب على وتر "التنسيق الأمني مع إسرائيل"، وهما نقطتان متكاملتين، رغم انه (هنية) أكد على تمسك حركته بالحل السياسي السلمي وبخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967. وهو يعلم ان إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة لا يتم بخيار "المقاومة المسلحة" لوحده، الذي تدعيه حركته، ولم يعد له أثر في الواقع المعطي، إنما يحتاج إلى علاقات عربية واقليمية ودولية ومع إسرائيل، التي وقعت معها القيادة الشرعية إتفاقية اوسلو 1993. وعلاقات القيادة مع أميركا وإسرائيل لا تقوم على "الطاعة" والقبول بالإملاءات السياسية، ولعل آخرها ما ذكره د. صائب في الأمم المتحدة، عندما رفض وصف حماس والشعبية ب"الإرهاب"، وأصدرت حماس بيانا أثنت فيه على ما جاء على لسان امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. أضف إلى ان التنسيق يقوم على قاعدة خدمة مصالح الشعب العليا طالما بقي خيار التسوية السياسية قائما. ولكن لماذا لم يتعرض ابو العبد لتنسيق حركته مع إسرائيل وأميركا؟ ولماذا لم يرد على رئيس السي آي إيه الأسبق، الذي اكد ان وجود حماس في قطر بناءا على قرار أميركي وطبعا إسرائيلي، وهو ما أكده سابقا وزير الخارجية ورئيس الوزراء حمد بن جاسم، الرجل القوي في عهد الحاكم القطري السابق حمد بن خليفة آل ثاني. فضلا عن الهروب من التعرض لمسائل تمس مكانة وجوهر سياسة حماس وإرتهانها لمشيئة السيد الأميركي، أضف إلى انه يتضح هنا الضرب على وتر التحريض والتشهير بالقيادة الشرعية، مع انه دعا في ذات الكلمة لنبذ خطاب الكراهية والتحريض، هذا من جانب، وللادعاء أمام ابناء الشعب وانصار حركته، انه لا مجال للمصالحة مع القيادة الشرعية من جهة ثانية، وهو يعني عمليا تكريس خطاب الإنفصال ومواصلة بناء الإمارة في محافظات الجنوب.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها