في البداية يجب التنويه إلى أنَّ سلاح الإضراب عن الطعام هو السلاح الأخير الذي يمكن أن يلجأ له المعتقلون، ويتم تشبيهه أحياناً "بالكَيّ"، أي استخدام النار لكيّ الجرح كحل نهائي إذا فشلت كل طرق العلاج التقليدية.

لماذا يلجأ المعتقلون السياسيون إلى هذا السلاح وهم يعرفون عدوهم ولا يتوقعون من سجّانهم أن يكون لديه بقايا من الشعور بالإنسانية؟؟ الجواب بسيط: إنّهم يراهنون على أن يجعلوا من جوعهم وسيلةً لحشد كمٍّ هائل من الضغط على العدو-السجَّان بحيث يضعونه أمام خيارين: تلبية المطالب أو العزلة الدولية بما في ذلك التعرض للعقوبات.. أي أنَّ جوع الأسرى هو سلاح يعرِّض مصالح العدو وسمعته للخطر، رغم أن الثمن الذي قد يدفعه المضربون يصل أحياناً إلى التضحية بحياة بعضهم من أجل انتصار القضية الأشمل. وهذا الاستعداد للتضحية ليس غريباً أن يكون صفةً ملازمةً للأسرى، فهم حالة نضالية خاصّة، لأنَّ مجرد وجودهم في الأسر يعني من حيث المبدأ انَّهم كانوا على استعداد للتضحية بأنفسهم، وأنَّ هذا الاستعداد يبقى رفيقاً لهم في الأسر، وهم لا يملكون شيئاً يمكن أن يخشوا خيارته، لأنهم يعيشون في ظل أحكام جائرة صدرت بحقهم وظروف اعتقال قاسية تدعوهم كل يوم للتمرُّد.

هل يعني هذا في الحالة الفلسطينية تحديداً أنّ الوصول إلى التضحية بالنفس هو قدَر المضربين الذي لا رادَّ له؟ بالتأكيد لا.. فنحن نملك الكثير من عوامل الضغط على عدونا بما يجعله غير قادر على الاستمرار بتجاهل مطالب الإضراب:

أولاً: الحراك الشعبي المساند للأسرى، وهذا لا يقتصر على خيمة اعتصام هنا ومسيرة تلامذة هناك، وإنما يتعدّى ذلك إلى استخدام أقصى درجات المقاومة الشعبية عنفاً بدون السماح باستخدام العنف المسلَّح (لأسباب ندركها جميعاً)، ولدينا الكثير مما يمكن فعله، مع ضرورة إشراك أهلنا في القدس وداخل الخط الأخضر في هذا التصعيد لما لهم من خصوصية تحدُّ من قدرة إسرائيل على التعامل معهم بنفس درجات القسوة التي تتعامل بها مع الأرض الخاضعة للاحتلال. ولا استثني من الحراك بعض القوى في المجتمع الإسرائيلي، خاصّةً تلك التي عرفناها منذ سنين كمدافع عن حقوق الإنسان، ويحب أن لا نقلّل من أهمية هذه الفئة، إذ يكفي للتدليل على ذلك أن نتذكّر أنَّ إسرائيل تهدد باستقدام أطباء أجانب للقيام بالتغذية القسرية للأسرى لا لأن الأجانب أفضل من مواطنيها وأكثر خبرة، وإنما لأنّ نقابة الأطباء الإسرائيليين تمنع أعضاءها من المشاركة بهذا العمل الخسيس!

ثانياً: كلنا يدرك أن المنطقة تشهد حراكاً سياسياً ونشاطاً مضاعفاً تقوم به إدارة ترامب من أجل تحقيق مكسب شكلي (أو حقيقي) يتمثل باستئناف المفاوضات بيننا وبين العدو، ونعتقد أن الإدارة الأمريكية تعتبر هذا الموضوع مسألة غاية في الأهمية. ومن هنا لا بد أن يضع الطرف الفلسطيني قضية الأسرى في مقدمة المطالب التي نشترطها قبل أي استئناف للمفاوضات، مثلها في ذلك مثل وقف الاستيطان.

ثالثاً: اللجوء إلى أقصى درجات التصعيد السياسي والقانوني ضد إسرائيل في كل المؤسسات الدولية، ولتكن البداية بطلب جلسة خاصة لمجلس الأمن مخصّصة لموضوع الإضراب ولضرورة إلزام إسرائيل بكل ما يترتَّب عليها كقوة احتلال، إضافة إلى محكمة الجنايات الدولية، وما تشكّله من كابوس يقضّ مضاجع قادة إسرائيل ويجعلهم مضطّرين للإصغاء إلى مطالب الأسرى إذا كان الثمن الذي يتوجَّب عليهم دفعه هو ملاحقتهم في مطارات العالم والتعامل معهم كمنبوذين أشرار (وهم كذلك طبعاً).

كان يمكن إضافة بند رابع لو أنَّ لدينا في الساحة الفلسطينية شريكاً يمكن الاعتماد عليه والاتفاق معه على تأجيل كل نقاط الخلاف والاختلاف للتفرُّغ لمعركة حرية الأسرى وكرامتنا، أمَّا ونحن أمام جماعة حماس التي لا تعير أي اهتمام لمصلحة الوطن ولأولويات شعبنا بالتفرغ لقضية الأسرى وتوحيد الجهد الوطني الفلسطيني في مشروع المقاومة الشعبية الداعمة للإضراب، فلا سبيل أمامنا غير النهوض بدورنا كحركة "فتح"، وليبدأ هذا النهوض باجتماعات سريعة للأطر القيادية للحركة التي يجب تخصيص جزء أساسي منها لمساندة الإضراب، مع أهمية التصدي لمشروع حماس الذي يوغل بالانفصال عن الوطن ويحاول بناء كيان مسخ، ولا همّ لهم سوى نيل الرضى الأمريكي عسى أن يحظوا بلقاء مع مسؤول من الدرجة العاشرة في الإدارة الأمريكية.. وكأنَّ حماس تتناسى أنَّ شعبنا قد تجاوز هذه المرحلة منذ ما يزيد على ربع قرن عندما فتحت الإدارة الأمريكية حواراً مع "م.ت.ف" حصرته حينها بسفيرها في تونس.. نحن الآن يا حماس في مرحلة يتم فيها استقبال رئيس فلسطين في البيت الأبيض كرئيس أية دولة مهمة ومحترمة أخرى..

 فإلى العمل يا "فتح"..

أمين سر حركة "فتح" في بولندا د.خليل نزّال

2017/5/9