بعد كل ما اقترفته أيديهم من قتل وخراب، ومن إبادة جماعية مستمرة في غزة، أصدرت محكمة الجنايات الدولية مذكرة توقيف واعتقال بحق نتنياهو وغالانت، في خطوة مهمة جاءت بعد يوم واحد من استخدام أميركا للفيتو ضد مشروع استصدار قرار وقف الحرب في مجلس الأمن الدولي. صحيح أن القرار جاء متأخرًا إلا أن فيه ما ينصف الضحية على جلادها، وفيه ما يعيد للعدالة الدولية الغائبة منذ أن بدأت الإبادة بعضًا من دورها وصوتها، وصحيح أن المطلوب تدخل فوري للمجتمع الدولي لوقف الحرب حالاً ووقف الكارثة، ومن ثم محاكمة الجناة والقصاص منهم على ما اقترفوا، إلا أن صدور مذكرة التوقيف شكلت بعثًا جديدًا لصوت العدالة الدولية التي يتطلع إليها شعبنا، بأن تأخذ دورها المناط بها وفق أحكام القانون العادل، وأن تخرج الإرادة الدولية عن صمتها وبعض انحيازها، لكي تنصف شعبنا وتنقذهُ مما يتعرض له من جرائم وحشية، وتحاكم القتلة والمجرمين، وأن نراهم خلف القضبان يلقون عقابهم الذي يستحقونه، وهذا مصير حتمي لكل من ارتكب وشارك ولا زال يشارك في الإبادة الجماعية التي وصل عدد ضحاياها أكثر من 150 ألفًا بين شهيد وجريح، وتهجير أكثر من مليوني إنسان في العراء بلا طعام ولا شراب ولا غذاء.
مذكرة التوقيف التي صدرت عن الجنائية الدولية نافذة وملزمة لكل الدول الأعضاء، حسب نظام روما الأساسي للمحكمة الدولية، وهذا يجعل القرار ذا أهمية كبيرة تدفع بعضًا من حالة الانحياز الأعمى، والدعم اللامسبوق الذي حظي به الاحتلال وحكومته طيلة أشهر حرب الإبادة. ما قاله المحللون حول هذه القضية كافٍ، ولست بصدد الحديث الطويل حوله من باب تجنب التكرار، ولكن ما لفتني هو بعض الأصوات الأكاديمية في إسرائيل ممن لا ينتمون إلى الأحزاب اليمينية، وحالة الدفاع عن نتنياهو وغالانت، وتوجيه اتهامات غير واقعية وغير حقيقية للمحكمة التي اتخذت قرارها، فمنهم من اتهم القضاة، ومنهم من ادعى أن القرار يعادي السامية، وهذه الأسطوانة التي تظل الأصوات الناعقة ترددها كل الوقت، ما يفسر طبيعة الحالة المتطرفة التي باتت عليها دولة الاحتلال، حيث لا يشعر أحدًا فيها بالخجل وهم يدافعون عن مجرمي حرب متورطين في ارتكابهما جرائم ضد الإنسانية، وطغاة مصيرهم الاعتقال والمحاكمة العادلة، وليس هذا فحسب بل ما صدر عن عدد من قيادات الحزب الجمهوري الأميركي المقربة من الرئيس ترامب الذين هددوا وتوعدوا المحكمة الدولية، كما لوحوا بفرض عقوبات على الدول التي تتعاون مع الحكم، وهذا الصلف الأميركي المعهود والانحياز الأعمى من جهة أميركا، لصالح الاحتلال ليس بجديد، بيد أن الأمر المستهجن اليوم هو حالة الدفاع ليس عن إسرائيل، بل عن مجرمي حرب مُدانين بجرائم ضد الإنسانية.
ما صدر عن المحكمة الجنائية الدولية يمثل انتصارًا لصوت العدالة والقانون، ولكل المظلومين والمقهورين والمضطهدين، ولكل من يتعرضون للإبادة الجماعية، وهذا يفرض على العالم وقف الحرب بأسرع وقت، والتحرك على كل المستويات، وتنفيذ قرار الجنائية الدولية لإنقاذ البشر من وحل الإبادة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها