بعدما فشلت حكومات نتنياهو الأربع في انتزاع اعتراف من القيادة الفلسطينية ب"يهودية الدولة"، وتعثرها أكثر من مرة في صياغة مشروع قانون "القومية" في إسرائيل، تمكن آفي ديختر، النائب عن حزب الليكود من تقديم صياغة جديدة، تم تبنيها عندما أقرت اللجنة الوزارية للتشريع يوم الأحد الماضي، الموافق السابع من أيار/ الحالي قانون "القومية" بالإجماع، كمقدمة لنقلة للكنيست للمصادقة عليه بالقراءات الثلاث. وكان 13 نائباً من الإئتلاف الحاكم وقعوا عليه قبل مصادقة اللجنة المذكورة عليه.
مشروع القانون الجديد ينضح بالعنصرية، لان كل كلمة فيه حملت تشريعاً للأبرتهايد في العلم والنشيد والرمز الرسمي للدولة. وينص القانون على أن "دولة إسرائيل، هي البيت القومي للشعب "اليهودي"، وأن "حق تقرير المصير في دولة إسرائيل يقتصر على الشعب "اليهودي." كما ينص القانون الديختري على أن "لغة الدولة، هي اللغة العبرية". ويهبط بمكانة اللغة العربية إلى درجة أدنى من السابق، بعدما كانت لغة رسمية، باتت وفق القانون "لها مكانة خاصة في الدولة". ويتحدث عن الفصل بين مواطني الدولة في السكن، وإن شاء مواطن عربي السكن في مدينة ذات غالبية يهودية يحتاج لإذن خاص.
مع أهمية تسليط الضوء على كل مفهوم ومادة تضمنها مشروع القانون الجديد، غير أن ما يهم المرء، التركيز على جوهر القانون، فهو أولاً يزيل كل مساحيق الديمقراطية عن وجه إسرائيل، ويؤكد سقوطها الكلي في متاهة العنصرية؛ وثانيا يؤكد إن دولة التطهير العرقي الإسرائيلية ماضية قدماً في صعودها إلى الفاشية؛ ثالثاً نفي تاريخ الشعب العربي الفلسطيني كصاحب للأرض والوطن الأم والتاريخ؛ رابعاً تقرير المصير في إسرائيل لإتباع الديانة اليهودية فقط، ولا يحق للفلسطينيين المتجذرين في الأرض أي تقرير مصير؛ خامساً التصادم مع القوانين والمواثيق والأعراف والاتفاقيات والمعاهدات الدولية؛ سادسا إمتهان مكانة اللغة العربية، ودفعها للخلف كلغة "خاصة" بعد ان كانت لغة رسمية ... إلخ
الخلاصة المنطقية لما حمله القانون، هو إعلان حرب عنصرية ضد كل ما هو فلسطيني عربي تشمل كل جوانب ومجالات الحياة، من أصغر ملمح في الشارع إلى مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية والثقافية التربوية ... إلخ. لكن هل القانون الجديد يحل المسألة اليهودية؟ وبالمقابل هل يفسح المجال لمعالجة المسألة الفلسطينية وإيجاد حل سياسي لها ام يعمق من عملية الإستعصاء والتعقيد للحل؟ وهل مشروع ديختر واللجنة الوزارية المشرعة يعزز مكانة إسرائيل الدولية أم العكس؟ وما الهدف من مشروع القانون، غير تأبيد خيار الاستعمار الإسرائيلي، والسعي لإستئصال الشعب الفلسطيني وروايته العميقة عمق كل ملمح من ملامح البلاد من النهر إلى البحر ومن الشمال إلى الجنوب؟
بعيدا عن لغة الانفعال والتطير، وعبر محاكاة المشرع الإسرائيلي ومركز صناعة القرار والنخب السياسية والثقافية والإعلامية والأكاديمية والإقتصادية الإسرائيلية يمكن التأكيد، ان مشروع القرار بالمعنى النفعي لا يخدم الإسرائيلي (اليهودي الصهيوني)، ولا يصب في صالح الدولة الإسرائيلية إن كانت تريد العيش في المحيط الفلسطيني العربي. ولا يمكن لكل القوانين العنصرية ال38، التي سنت في الدورات 17 و18 و19 و20 الحالية، ان تعطي الضمانة والمصداقية للرؤية الإسرائيلية. وبالتالي مواصلة التخندق في خنادق الكراهية والعنصرية والحرب على الفلسطينيين العرب في داخل إسرائيل وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 لا يعني سوى المضي قدما نحو الفاشية والاندفاع نحو حرب التطهير العرقي للفلسطيني العربي، وهذا يتناقض مع خيار السلم الأهلي والسلام والتعايش مع الشعب الفلسطيني والمحيط العربي والإقليمي، وبالتالي يحمل المزيد من الويلات لشعوب المنطقة جميعها وفي مقدمتهم اليهود المضللين. ومن الأفضل لقيادة الإئتلاف الحاكم ان توقف التدحرج نحو المزيد من العنصرية والفاشية، وتفكر بالمستقبل بطريقة أكثر واقعية، وتبرد الرؤوس اليمينية المتطرفة الحامية في اوساطها إن كانت معنية بالعيش في سلام وأمن داخل الوطن العربي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها