منذ تسلم الرئيس دونالد ترامب مهامه في ال20 من يناير الماضي، حرص على عدم فتح باب الاتصال المباشر مع الرئيس أبو مازن وقيادة منظمة التحرير. وكأنه إستجاب لضغوط فريق مستشاريه بهذا الصدد، ولإشباع النزوع المعادي في أوساط قيادة إسرائيل ومن معهم في إدارته بإغلاق الباب نسبيا في وجه رئيس الشرعية الوطنية. رغم انه لم يرفض خيار السلام، لا بل أكد عليه أثناء حملته الانتخابية ومع توليه موقع الرئاسة، رغم ما حمله من غموض بشأن خيار الحل، وهو ما عبر عنه بالقول في المؤتمر الصحفي المشترك مع نتنياهو في الرابع عشر من شباط الماضي: سأكون مع أي حل سياسي يرتضيه الطرفان إن كان خيار الدولتين أو الدولة الواحدة. وبالتالي هو يعلم (ترامب) أن السلام يصنعه طرفا الصراع، وليس طرفا واحدا.

مع ذلك الرئيس عباس والقيادة الفلسطينية لم يفقدوا الأمل بفتح بوابة البيت الأبيض الأميركي مجددا وبقوة من خلال اعتماد الحكمة السياسية، وعدم التطير في ردود الفعل تجاه الصد غير الإيجابي من الرئيس ترامب خلال الخمسين يوما الماضية من الحكم. فاعتمدت سياسة الخطوة خطوة في فكفكة إستعصاءات الساكن الجديد، وهي إستعصاءات غير أصيلة، مما سمح بسهولة تغيير الموقف. كما إن القيادة الإسرائيلية بعدميتها وأكاذيبها الاستعمارية، وافتضاح نواياها ومخططاتها سهلت أيضا إزالة التحفظات القائمة. فضلا عن الصوت القوي للدولة العميقة في الولايات المتحدة، الذي ترافق مع أصوات القيادات العربية والأوروبية والروسية وغيرها من القوى الأممية، جميعها عوامل ساهمت في مد الجسور مع الرئيس محمود عباس، لأنه الأصدق في تمسكه بخيار السلام وتحديدا حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967. لذا جاء الاتصال أول أمس الجمعة بين الرئيسين الأميركي والفلسطيني دافئا وعاكسا لرغبة الرئيس ترامب بتعميق العلاقة مع الرئيس عباس، من خلال دعوته لزيارة البيت الأبيض في اقرب فرصة، وتأكيده على مواصلة جهوده لصناعة السلام على أساس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 67. وترافق مع ذلك تكليف مستشاره جيسون غرينبلات لزيارة المنطقة هذا الأسبوع واللقاء مع القيادتين الفلسطينية والإسرائيلية. كما تم تعيين الدبلوماسي مايكل رني، القنصل العام السابق في القدس مسئولا عن الموضوع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو ما يعكس جدية تحرك الإدارة في دفع عملية السلام للإمام.

وإذا توقف المرء أمام الاتصال، الذي جرى بين الرئيسين أول أمس ودلالاته وأهميته ورسائله، فإن المرء يرى التالي: أولاً: كسر الاتصال كلياً حالة الجمود بين الرئيسين والقيادتين.

 ثانياً: جاء الاتصال بعد إدراك ترامب جدية الرئيس عباس في صناعة السلام.

 ثالثاً: شكل صفعة للموقف الإسرائيلي والائتلاف الحاكم، لأنهم اعتقدوا أن أبواب البيت البيض لن تفتح سريعا أمام الرئيس عباس.

 رابعاً: عزز الاتصال موقع ومكانة رئيس منظمة التحرير الفلسطينية على الصعد المختلفة، ورد بشكل واضح على كل المتربصين بشخصه وموقعه، الذين مَّنوا النفس بالانقضاض عليه عبر أحصنتهم العرجاء.

 خامساً: نجاح السياسة الحكيمة، التي إنتهجها عباس في مواجهة المتطيرين من الفلسطينيين وغيرهم.

سادساً: أعطى ثقلا ودفعاً قوياً لمكانة أبو مازن عشية عقد القمة العربية القادمة في عمان نهاية الشهر الحالي. ولعل اتصال الملك عبدالله الثاني مع الرئيس عباس مرتين قبل وبعد الاتصال مع الرئيس ترامب، يعكس الاهتمام الأردني بهذه النقلة النوعية، والتي كان لجلالته دورا مميزا فيها أثناء لقائه الرئيس الأميركي خلال زيارته لواشنطن في الثاني من شباط الماضي.

غير إن أهمية الاتصال بين الرئيسين الفلسطيني والأميركي وحتى لقاءهما اللاحق لا يجوز أن يدفع أي مراقب للتطير والاندفاع كثيرا في قراءة التداعيات الناجمة عن ذلك قبل أن تحسم الإدارة الأميركية رؤيتها للسلام، وتتخذ الخطوات الفعلية على الأرض لبناء ركائز التسوية السياسية وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران.