بعد اعتقال دام سبع سنوات، تنقل خلالها بين عتمات المعتقلات، أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن المعتقل "لافي رافع دراغمة" من سجن النقب الصحراوي.

وفور وصوله إلى مدينته طوباس، شمال الضفة الغربية، استعان دراغمة بأقربائه لتتزن مشيته مع جسمه النحيل، بعد أن فقد نصف وزنه جراء الإجراءات التنكيلية غير المسبوقة التي باتت تنتهجها إدارة سجون الاحتلال بحق المعتقلين.

وتنتشر عشرات الصور على منصات التواصل الاجتماعي للمعتقلين المفرج عنهم، قبل الاعتقال وبعده، والتي تظهر التغير الذي طرأ على وجوههم وحالتهم الصحية وأجسادهم، "أجساد نحيلة، وعلامات صدمة على وجوههم، وفقدان للحياة".

وقال رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، قدورة فارس: "كل معتقل دخل سجون الاحتلال خرج فاقدًا لوزنه، يمارسون عليهم حربًا قوية داخل السجون".

منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 إزدادت "عتمة" السجون وأضحت عالمًا آخر، "عالم من القسوة والظلم الذي فاق التحمل"، وكل شهادات المعتقلين المحررين متشابهة.

وأضاف: "يريد الاحتلال بهذه الإجراءات التعسفية بحق المعتقلين، أن يتحول المعتقل الفلسطيني إلى عبرة".

واضعًا يدًا فوق يد، يطالع من حوله باستغراب، ويقول: "تركنا وراءنا أشكالًا من الظلم لا تخطر على بال أحد".

وأضاف: "خفضوا عدد الوجبات الغذائية، وحجم التي يقدموها لنا".

وما يحدث ليس أمرًا عابرًا، فهناك رأس محرك لكل هذا الظلم في سجون الاحتلال، إنه إيتمار بن غفير، ما يسمى وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال.

المتطرف بن غفير، ظهر قبل فترة في مقطع فيديو مصور يحرّض فيه على المعتقلين الفلسطينيين ويطالب بإطلاق الرصاص على رؤوسهم، بدلًا من إعطائهم مزيدًا من الطعام.

وقال: "حظي سيء أنني اضطررت للتعامل، في الأيام الأخيرة، مع مسألة ما إذا كان لدى المعتقلين الفلسطينيين سلة فواكه! لكن يجب قتل المعتقلين بطلق في الرأس، وتمرير مشروع قانون لإعدام المعتقلين بالقراءة الثالثة في الكنيست الإسرائيلية".

وأضاف: "حتى ذلك الوقت سنعطيهم قليلًا من الطعام للعيش لا أكثر".

ويعلق فارس على هذا التحريض، قائلًا: "هم يعنون ما يقولون... تصريحاتهم مقصودة وليست عبثية".

وفي الأشهر الـ9 الأخيرة، شنت إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، حملة اعتقالات غير مسبوقة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وبحسب هيئة شؤون الأسرى، فقد بلغت حصيلة حالات الاعتقال بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أكثر من "9750"، وهذه الحصيلة تشمل من جرى اعتقالهم من المنازل، وعبر الحواجز العسكرية، ومن اضطروا لتسليم أنفسهم تحت الضغط، ومن احتجزوا كرهائن.  

كما بلغت نسبة المعتقلين الإداريين داخل سجون الاحتلال 66%، والاعتقال الإداري هو اعتقال دون تهمة أو محاكمة، ودون السماح للمعتقل أو لمحاميه بمعاينة المواد الخاصة بالأدلة، في خرق واضح وصريح لبنود القانون الدولي الإنساني، لتكون إسرائيل هي الجهة الوحيدة في العالم التي تمارس هذه السياسة.

وتتذرع سلطات الاحتلال وإدارات المعتقلات، بأن المعتقلين الإداريين لهم ملفات سرية لا يمكن الكشف عنها مطلقا، فلا يعرف المعتقل مدة محكوميته ولا التهمة الموجهة إليه.

وغالبًا ما يتعرض المعتقل الإداري لتجديد مدة الاعتقال أكثر من مرة لمدة ثلاثة أشهر أو ستة أشهر أو ثمانية، وقد تصل أحيانًا إلى سنة كاملة.

وبينما ينتظر صف من المواطنين لتهنئة "دراغمة" بالحرية، يقف خلفه أحد أقاربه يحذرهم من الضرب على كتفيه أثناء العناق "كتفه مخلوع، قبل أشهر اعتدى جنود الاحتلال عليه وخلعوا أحد كتفيه ولم يعالجوه بشكل جيد".

وقال: "أمس اعتدى عليّ جنود الاحتلال مرة أخرى أثناء خروجي، كل الذين يخرجون من المعتقل يعامَلون هكذا".

قبل أسبوع تقريبًا، نقل محامي هيئة شؤون الأسرى خالد محاجنة، شهادات مروعة عن معتقلين من قطاع غزة، أثناء زيارته لمعتقل "عوفر".

وقال: إن "بعض المعتقلين في عوفر تعرضوا لاعتداءات جسدية وجنسية بعد تجريدهم من ملابسهم وضربهم في أماكن حساسة، والآن هم يعانون من أوضاع صحية ونفسية صعبة".

وأضاف: أن "الكلاب البوليسية تهاجم المعتقلين وتنهش أجسادهم وهم مكبلي الأيدي وراء رؤوسهم، إلى جانب تعرضهم لعمليات شبح يرافقها الاعتداء بالضرب".

وأشار: أن "هناك أكثر من 100 معتقل مرضى وجرحى دون علاج، في ظل اكتظاظ شديد في غرف المعتقل، وهي عبارة عن غرف من الأسمنت تفتقر إلى التهوية ومساحتها لا تزيد عن خمسة أمتار مربعة، وفيها أَسِرَّة حديدة بلا فراش ولا أغطية، ويحتجز في كل واحدة منها 25 معتقلًا، ينام غالبيتهم على الأرض".

وبَيَّنَ أن المعتقلين يأكلون وهم مقيدي الأيدي، ولكل معتقل وجبة واحدة طوال اليوم وهي عبارة عن 100 غرام خبز، وخيارة أو حبة بندورة وكمية قليلة جدًا من اللبن.

وأشار: أن "معتقل عوفر يضم عنبرين للتعذيب داخل الغرف ولا يمكن رؤية المعتقلين خلال تعذيبهم، ولكن يسمع صراخهم فقط، ومؤخرًا اعتدى جنود الاحتلال على كافة المعتقلين في "عوفر"، ما تسبب بكسر أطراف العديد منهم".

وإن لم تكن السجون على مدار سنين الاحتلال مكانًا يمكن المكوث فيه، لكن اختلافًا كبيرًا أصبح واضحًا للجميع في الأشهر الأخيرة.

ويسود بين عموم الفلسطينيين شعور حقيقي بالخوف على حياة أبنائهم في سجون الاحتلال، في الوقت الذي تتحدث فيه الأرقام لدى هيئة شؤون الأسرى المحررين عن "18" معتقلًا استشهدوا بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.