لم تتمكن الكثير من العائلات شرق خان يونس جنوب قطاع غزة، من النزوح بعد "أوامر الإخلاء" الجديدة التي أصدرتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، الاثنين، في ظل الغارات العنيفة والمتواصلة التي يشنها طيران الاحتلال ومدفعيته على المنطقة ومحيطها.
ويقول المواطن إياد قبلان، العالق مع عائلته في بيته في عبسان الكبيرة شرق خان يونس: "أنه حاول أمس الفرار مع عائلته لكنه لم يستطع لأن القصف والقذائف كانت تتساقط من كل حدب وصوب"، مشيرًا إلى أن مدفعية وطائرات الاحتلال كانت تقصف والشهداء في الشوارع لذلك خاف من أن يستشهد أحد من عائلته فعاد أدراجه لبيته.
وتابع قبلان قائلاً: بأنه "لم يتأخر في الخروج لكن لم يكن هناك متسع من الوقت بين التهديد الذي نشرته قوات الاحتلال وبين بداية الهجوم"، مؤكدًا أن الليلة الماضية لم تصمت أصوات القصف والقذائف وكان كل عشر دقائق يسمع غارة.
وأضاف: "أن العائق المادي أيضًا ربما كان له دور، فكل نزوح يحتاج زهاء 1000 شيقل بدل نقل حتى لو مئات المترات"، كاشفًا أن هناك الكثير من العائلات المتواجدة في المنطقة الشرقية وحتى في بيوت الإيواء يواجهون خطر الذبح، موضحًا بأنه يقطن بجانب مدرسة عبسان الكبيرة الابتدائية التي يتواجد بها عائلات كثيرة، وكلهم تحت ابخطر والجوع والعطش، مؤكدًا أن كل من ينزح أيضًا معرض للموت، حتى أن العائلات التي نزحت لم تسلم وتم استهدافها وفقًا لشهود عيان.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك: "إن 150 ألف شخص نزحوا من خان يونس خلال يوم الاثنين فقط، مشيرًا إلى أن كل أوامر الإخلاء الإسرائيلية تقلب حياة الناس رأساً على عقب"، مؤكدًا أن "أوامر الإخلاء" التي أصدرها الاحتلال الإسرائيلي في وقت قصير جدًا عن طريق إرسال منشورات قبل الهجوم "يزيد من المخاطر على حياة الناس".
ولفت دوجاريك، إلى أن "الناس اضطروا إلى الفرار دون أن يأخذوا أي شيء معهم"، مبيناً عدم وجود بنية تحتية في المناطق التي توجه إليها النازحون.
ويروي الطفل الجريح يونس قلة (10 سنوات) ما تعرضت له عائلته أثناء نزوحها من بني سهيلا إلى دير البلح، حيث استهدفتهم قذائف الاحتلال فقتلت والدته وأصابته هو وشقيقته.
ويقول الطفل قلة: "هربنا من بني سهيلا وتوجهنا لدير البلح وفي الطريق قصفوا سيارتنا وقتلوا أمي وأصابونا".
وبلغ عدد الشهداء في شرق خان يونس أكثر من 80 شهيدًا ومئات الجرحى في استهداف قوات الاحتلال للبيوت وللعائلات النازحة يوم أمس. وقالت مصادر محلية: "إن أكثر من ألف مناشدة وصلت فرق الإنقاذ لمساعدتهم في الإخلاء".
وقالت المواطنة أم سراج أبو صبحة: "إنها وعائلتها عالقة في عبسان وحاولت الخروج لكنها لم تستطع"، موضحةً أنهم قد خرجوا من عبسان وتفاجؤوا بالدبابات الإسرائيلية المتمركزة قرب دوار العلم في بني سهيلا وقد أطلقت النار علينا فهربنا وعدنا إلى بيوتنا".
وتأمل أم سراج أن يساعدها أحد في الخروج سيما وأن عائلتها تضم أطفال وإمرأة متقدمة في السن.
وقالت أم سراج: "أنها ومن حولها يعانون شح المياه لأن شبكة المياه مغلقة ولا أحد يستطيع فتحها، بسبب القصف"، مشيرةً إلى أنها تخشى الخروج الآن لأن إطلاق النار لم يتوقف.
وأعلنت مصادر طبية عن استشهاد مواطن صباح يوم الثلاثاء عند مفترق بني سهيلا، بعد استهدافه من قناصة الاحتلال.
ونزح عشرات الآلاف من المناطق المهددة شرق مدينة خان يونس، "عبسان الكبيرة والصغيرة والزنة وخزاعة وبني سهيلا والفخاري وشرق القرارة، والشيخ ناصر والكتيبة والقرين والسلام وجورة اللوت والسطر" إلى مناطق متفرقة من قطاع غزة.
وطالب الاحتلال الإسرائيلي من النازحين التوجه إلى "المنطقة الإنسانية" المستحدثة في المواصي، علمًا أنها مكتظة ولا تتسع لنازحين جدد.
وأعرب الكثير عن ترددهم في التوجه للمواصي خاصة بعد المجزرة التي ارتكبها الاحتلال في 13 تموز/يوليو وأسفرت عن استشهاد 92 مواطنًا على الأقل وإصابة أكثر من 300، أغلبيتهم أطفال ونساء.
وتوجه الشاب يوسف أبو طعيمة (27 عامًا) من القرارة في خان يونس مع عائلته إلى المواصي لكن المنطقة كانت تعج بالنازحين.
وقال: "لا يوجد مكان، فالمنطقة مزدحمة بالناس لا مكان لإقامة خيمة ولا يوجد بيوت ننزل فيها، سنبقى في الشارع، حتى الأرصفة يوجد عليها ناس وخيم، وقد مللنا من هذا الوضع، يكفي تشريد وهجرة".
وأضاف: "خرجنا وهناك قصف من الطيران والدبابات ومسيرات"، موضحًا أنه رأى "شهداء نقلوا بعربة توكتوك وعربة يجرها حمار إلى مستشفى ناصر، فقد قصفوا البيوت على رؤوس ساكنيها.
بدوره، قال المواطن أحمد البيوك (53 عامًا) من سكان خان يونس: "نزحت للمرة الثالثة، كل مرة أصعب من التي سبقتها، لا بيوت ولا مكان. ورغم ذلك حاولنا التأقلم والعيش على ركام المنزل، ولكن لا نكاد نستقر لأيام حتى يأتي جيش الاحتلال ويقصفنا ويشردنا أكثر فأكثر".
وأضاف: "لا نعرف ماذا يريدون منا أن نفعل، إلى أين نذهب؟ كل مكان معرض للقصف"، مشيرًا إلى أن المواصي مليئة بالناس، والجو حار وهناك أمراض وأوبئة.
وفي حي الشيخ ناصر في خان يونس، وصف المواطن محمد الفرا وضعه قائلاً: "إن بقينا في بيوتنا سنموت وإن خرجنا على الطريق أيضًا سنموت".
وعلى طريق النزوح للمرة الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة أو ربما أكثر، امتلأت الشوارع المتربة بين الأنقاض بآلاف المواطنين على دراجات وعربات تجرها حمير وبعض السيارات المحظوظة التي حصل أصحابها على بعض الوقود أو راجلين يحملون ما تيسر من أمتعتهم القليلة.
ويقول المواطن حسن قديح: "أن عائلته فرت في حالة من الذعر، فقد كنّا فرحين نعد الإفطار لأطفالنا بعد أن بقينا في مكان آمن مدة شهر، ثم صُدمنا بسقوط القذائف والمنشورات التحذيرية والشهداء في الشوارع".
وأضاف: "هذه هي المرة الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة التي نضطر فيها للنزوح، كفى! مضت عشرة أشهر ونحن في هذه المعاناة".
ولا يزال هجوم قوات الاحتلال مستمر على خان يونس بل وامتد للمناطق الغربية حيث طال القصف صباح اليوم منطقة السطر الغربي ما أدى لاستشهاد مواطن.
وتعرضت منطقة شرق خان يونس لأكثر من هجوم إسرائيلي كان آخرها أوائل تموز/يوليو الجاري. كما شهدت مجازرًا ودمارًا واسعًا خلال الاجتياح البري وهجوم الاحتلال الواسع على محافظة خان يونس الذي بدأ في كانون الثاني/يناير وانتهى في نيسان/أبريل الماضي.
وأسفر العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، عن أكثر من 129 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد عن 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.
وتواصل إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، هذه الحرب متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بوقفها فورًا، وأوامر محكمة العدل الدولية بإنهاء اجتياح مدينة رفح جنوب غزة، واتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، وتحسين الوضع الإنساني المزري بالقطاع.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها