خاص- مجلة القدس- العدد 334 شباط 2017
بقلم/ احمد النداف

نشرت مؤخراً منظمة العفو الدولية تقريرها السنوي، والذي أشارت فيه إلى ان السياسة الأميركية في عهد الرئيس الجديد دونالد ترامب، سوف تقوض إلى حد كبير التعاون الدولي المتعدد الأطراف، وتنذر بمرحلة من الاضطراب الأكبر والأكثر شمولاً، وهو ما سيولد شكوكاً دولية جديدة ستؤدي في نهاية المطاف الى مشاكل دولية متشابكة ومتشعبة وهذه الخلاصة التي تتسم بالخطورة البالغة جاءت متزامنة  ومتكاملة مع تقارير أخرى وآراء دولية كثيرة ومتعددة الاتجاهات والتي أجمعت كلها بان الرئيس الأميركي أقل ما يقال عنه بأنه غريب الأطوار ، يتمتع بدرجة كبيرة وعالية من الكذب الواضح والصريح، وبعض هذه "الخلاصات وصلت إلى درجة وصفه بالرئيس الغبي".
 وهذه الصفات والمواصفات رددتها كثير من العواصم الأوروبية والأميركية ليس على مستوى مراكز الأبحاث والدراسات فقط، بل تعدتها إلى العديد من الرؤساء والزعماء في العالم ومن ضمنهم رؤساء كندا و واستراليا وصولا الى السويد وأميركا الجنوبية ، ولعل إبرزها على الاطلاق ما صدر من العاصمة الفرنسية التي اعتبرت ان خطابات الرئيس الاميركي ترامب المفترض ان تكون معدة سلفاً تأتي في الغالب متناقضة ومتطرفة في كثير من الاحيان، وانها تجسد اتجاها عالمياً نحو سياسة اشد غضباً واكثر اثارة للفرقة، وهو امر ايدته العاصمة الالمانية، خصوصا تجاه اللاجئين في أوروبا وأميركا وخصوصا منهم المسلمين، كما طالت العديد من الأعراق غير البيضاء ، وهذا ما جعل العالم مكانا أكثر قتامة واضطراباً مع تزايد خطاب الكراهية العرقية والدينية، وخصوصاً تلك الموجهة تحديدا ضد المسلمين وخصوصا من هم ينتمون إلى جنسيات العالم العربي.
 وفي ما يخص العالم العربي فقد لخص الرئيس الأميركي نظرته لهم من خلال معادلة أذهلت العالم بفجاجتها وعجرفتها، بقوله ان العرب يملكون المال الوفير  والنفط الكثير ونحن نريد هذين الأمرين وسنحصل عليهما شاء العرب او لا  ومهما كانت الظروف.  
 واستكمل الرئيس الأميركي بأنه اذا أراد  العرب ان ينالوا حمايتنا فعليهم أن يدفعوا ثمن هذه الحماية وثمن ما تقرره الإدارة الأميركية من مشاريع سياسية وأمنية وان عليهم ان لا يستندوا إلى علاقاتهم التاريخية مع الولايات المتحدة الاميركية وقد حدد الرئيس الاميركي الدول العربية الخليجية فقط على اعتبار ان باقي الدول ستكون في الميزان الاميركي للعلاقات طبقا للمصالح الاميركية ومدى تجاوبها مع هذه المصالح حتى لوكانت تتعارض مع مصالح أمتها وشعوبها  
وهذه السياسة الترامبية غير العقلانية والتي تحمل في طياتها الكثير من العجرفة الاميركية التقليدية، الواضحة والمليئة بالكره الشديد للعرب وللمسلمين بصورة خاصة ولجميع " الاغراب" بشكل عام والتي تحمل في طياتها توصيفاً دقيقاً لحقيقة الرأي العام الأميركي، وهي التي شجعت ترامب إلى اتخاذ سلسلة من القرارات الرئاسية والتي تعارض حتى القوانين الأميركية  الديمقراطية  التي يتغنى فيها الشعب الأميركي ويتفاخر بها أمام شعوب العالم، وهذا الامر اثار حفيظة رجال القانون الأميركيين الذين استشعروا نتائجها الكارثية على المجتمع الأميركي وأدى إلى الوقوف بوجهها والعمل على إبطالها، ليس من واقع التعاطف مع الآخرين، بل كان الدافع الخوف على المجتمع الأميركي ذاته وهو المهدد بالتفسخ الذي بدأت ملامحه منذ اللحظة الأولى لفوز ترامب بالسباق الرئاسي على منافسته وزيرة الخارجية في عهد سلفه هيلاري كلينتون، ولعل التظاهرات الاحتجاجية المتنقلة في كثير من المدن والولايات الأميركية والمعارضة لسياسة ترامب العدوانية والتي لم يشهد المجتمع الأميركي مثيلا لها على الإطلاق والتي وصل ببعضها إلى وصف الرئيس ترامب بالرئيس المخبول.
وبالعودة إلى تفاصيل ومبادئ سياسة الرئيس الاميركي الجديد والتي تندرج تحت عناوين: العلاقات الدولية والتي توزعت على العناوين التالية:
- غزل مفتوح مع روسيا والرئيس بوتين وعلى قاعدة مساومته بما يتعلق بالعديد من القضايا العالمية بدءا من أوكرانيا وصولا الى جنوب شرق  آسيا وصولا الى الشرق الأوسط ومن هذه العناوين ما يتعلق بالصين التي يعتبرها الرئيس الاميركي ونتيجة لتطورها المتصاعد بسرعة كقوة اقتصادية عسكرية وسياسية على مستوى العالم من الد اعداء الولايات الأميركية مع ما يحمله هذا الصراع من مخاطر وخيمة على المستوى العالمي والتي قد تصل في مرحلة من مراحلها إلى مستوى الحرب العالمية الجديدة.
وكذلك الأمر فيما يتعلق بسوريا على قاعدة محاربة داعش، وضمانة موقع (الأقليات )، وهذا الامر يعني اعادة رسم خارطته الجيوسياسية على اسس عرقية ومذهبية ودينية حتى لو ادى ذلك الى انتشار هذا التقسيم وتعميمه على الكثير من الدول الاخرى وخصوصا تلك التي تضم في تكوينها تعددية متنوعة من دينية وقومية .
 وحول العراق الذي اعلن الرئيس ترامب نيته مجددا إلى إرسال قوة عسكرية اليه قوامها 43 ألف جندي تحت ستار محاربة داعش إلا انه في حقيقة أمره تتحول إلى قوة احتلال من جديد والعمل على ادامة هذا الاحتلال حتى تنضج الظروف لتقسيمه إلى ثلاث دول.
- أما بالنسبة لإيران فإن الإدارة الأميركية الجديدة ستعيد النظر في الاتفاق النووي ومعاودة التفاوض من جديد لكن ليس على اساس منع ايران من امتلاك اسلحة نووية ولا حول برامجها ولا منعها من التحول إلى قوة شرق أوسطية، بل على قاعدة المصالح الأميركية التي يرى أن سلفه باراك أوباما قد تجاهلها وتخلى عنها وإذا لم تقبل القيادة الإيرانية شروطه الجديدة سيكون عليها تحمل النتائج المتعددة.
-  وحول باقي الدول العربية وتحديداً الخليجية يسعى الرئيس الاميركي إلى تشكيل تحالف مع دولها بما يشبه بناء حلف يقارب حلف الناتو الإقليمي والذي سيكون تحت سيطرة القيادة العسكرية الأميركية المباشرة وهو سيكون مختلفا عن الناتو الأوروبي من حيث المبادىء والاحتياجات والمصالح لا من قريب ولا من بعيد، ويقبل بوجود قوات أميركية على أراضيه وتتحمل دولها كافة تكاليفه المادية و اللوجستية وهو اي الرئيس الاميركي اعلن عنه بشكل واضح من خلال إطلاق وتسويق معادلته الملخصة بان اميركا تريد ما لدى العرب كاملا وان عليهم اي العرب الذين يريدون الحماية الاميركية فعليهم ان يدفعوا ثمن ذلك من اموالهم المكدسة ومقدرات بلدانهم وشعوبهم وهو ما يعني بصورة او بأخرى استعماراً جديداً ومختلفاً عما سبقه.
أما بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي فإن رؤية الرئيس ترامب تقوم على سياسة الاسترضاء للحكومة اليمينية بأي ثمن ومهما بلغت تكاليفه وهذا الاسترضاء وان جاء مغلفاً بالعمل المشترك لإنجاز اتفاق سلام، إلا انه في حقيقته يترجم تعهداته بدعم وتوسيع المستوطنات وبنائها وانتشارها على كامل اراضي الضفة الغربية او ما تبقى منها بالتوازي مع زيادة الدعم العسكري إلى حدود لا متناهية، وهذا الامر سيترجم بنقل السفارة الاميركية  إلى القدس بطريقة تؤيد ان القدس عاصمة لدولة الاحتلال بشكل منفرد وخلافا لكل القرارات الدولية  وبمعزل عن قبول ورفض المجتمع الدولي ومؤسساته و منظماته بما فيها الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
-  وفيما يخص القضية الفلسطينية وهنا بيت القصيد فإن الإدارة الجديدة وعلى لسان الرئيس ترامب الذي اعلن  إلغاء مبادىء قيام الدولتين وهو ما يعني إلغاء جميع ما تم التوصل اليه خلال السنوات الماضية ونتائج ما أقرته المؤتمرات الدولية ومراجعها وخصوصا مؤتمر مدريد التي شكلت الحد الادنى من التوافق والقبول العربي والفلسطيني، وهذا الامر اعلنه بشكل واضح قبل ايام السفير الاميركي المحتمل والمعين لدى إسرائيل ديفيد فريدمان أمام أعضاء لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي والذي تباهى بازالة مرجعية حل الدولتين من برنامج الادارة الاميركية وحتى من برنامج الحزب الجمهوري، وهو القائل بانه سيكون من السخرية الضغط على اسرائيل لتحقيق السلام عبر خلق دولة عربية ( مختلة اخرى ) وعليه فان حل الدولتين قد لا يكون مفيدا لعملية السلام.  
 ومن خلال ما تقدم من الكشف عن رؤى الرئيس الاميركي المخبول كما وصفه أكثر من متخصص في الأمراض السياسية والنفسية حيال  القضايا الدولية وخصوصا العالم العربي والتي أقل ما يمكن ان يقال عنها انها سياسة معادية وعنصرية وتهدد الأمن والاستقرار الدوليين في العالم وتنذر باندلاع حروب متعددة تهدد مصير البشرية يخشى معها اندلاع حرب عالمية جديدة، نجد من الواجب التمعن بهذه السياسة الأميركية القادمة في ظل رئيس أميركي مخبول  يرى العالم من منظار رجل مال وقمار ودعارة. وهي أعمال كان يمارسها ترامب قبل وصوله الى المكتب البيضاوي في القصر الرئاسي .