خاص- مجلة القدس- العدد 334 شباط 2017
بقلم: هيفاء الاطرش

تمخض الجبل فولد فأراً، لكن ضجيج صوته ارتفع في الحارة، وأسمع من به صممُ، أسمع القاصي والداني، وبوقاحةٍ مشبعةٍ بمفهوم الخيانة للقضية المركزية لدى العرب، القضية الفلسطينية، التي بقيت عقوداً في البند الأول للتأكيد العربي على بقائها ضمن اهتمام الدول العربية في كافة القمم ، ولو كان حبراً على ورق.
 إن ما قدمته المسماة بجبهة الإنقاذ الوطني السورية في خارطة الطريق للسلام  بين سورية الجديدة وإسرائيل، قد كشف النوايا السيئة المدفونة في رحيق الياسمين الأسود للربيع العربي المصطنع والمأجور في سوريا ،هذه الجبهة التي وُلـِدَتْ مؤخراً من رحم المعارضة السورية، حيث أننا لا نسمع إلا عن تفريخات سياسية وعسكرية متواصلة ومتعددة لهذه المعارضة.
ومنذ بداية الأزمة السورية، قبل خمس سنوات، كنا نسمع تصريحات في شارع المعارضة، كانت عبارة عن بالونات سياسة تستهدف الوجود الفلسطيني في سوريا، من لاجئين فلسطينيين بلغ عددهم أكثر من 500000 لاجئ، ومخيمات وتجمعات سكنية فلسطينية، وفي المقابل خرجت تصريحات مضادة من بعضهم أو من جهات فلسطينية أو جهات سورية رسمية، تطمئن الفلسطينيين أن لا صحة لما يقال في هذا المجال، لكنه استمر بالتداول وبالخفاء، حتى بقي في تمتمات الشارع الداخلي والشعبي المرتبط بتلك المعارضة، وأصبح أحد هواجس اللاجئين الفلسطينيين في سوريا .
وقد استغلت جبهة الانقاذ الوطني المعارضة سياسة إسرائيل في تثبيت يهودية الدولة، وتصوير الصراع الفلسطيني الاسرائيلي على أنه ديني، فطمأنتها أن لاوجود لكيان فلسطيني مقبل في سوريا  اسمه اللاجئون وذلك من خلال أحد فقرات خارطة طريق السلام والتي تحتوي على عدة بنود تنص على مايلي: تجنيس اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بالجنسية السورية، وإلغاء مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وتحويلها إلى مناطق سكنية، وذكرت بنوداً أخرى تختص بحل كل التنظيمات المسلحة الفلسطينية الموجودة على الأراضي السورية، وهذا البند الوحيد الذي يطلبه الإجماع الفلسطيني منذ بداية إقحام المخيمات الفلسطينية في أتون الحرب .
ومن مفارقات خارطة طريق السلام المطروحة على الإسرائيليين من قبل جبهة الانقاذ الوطني: أنها تعتبر السوريين اليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل أو في الشتات رسلاً حقيقيين للسلام بين الشعبين السوري والإسرائيلي ودعامة لترسيخ ثقافة السلام والتنمية والتعاون والبناء، وتعتبر أيضاً أن لهم حق استعادة ممتلكاتهم في سوريا وإعادة بناء ورعاية المعابد اليهودية في سوريا وإلى آخر الوثيقة، وكذلك تؤكد الجبهة على أن سوريا الجديدة لن تكون قوة معادية لإسرائيل، بينما تعتبر مخيمات اللاجئيين الفلسطينيين عبئاً على الأرض السورية، كمسمى سياسي وكياني له دلالاته الوطنية والمقدسة بالنسبة للقضية الفلسطينية فتأتي بالعرض المغري لإسرائيل، والذي تستجدي به رضى أعداء القضية الفلسطينية.
وقد تكشفت الحقيقة في هذه الخارطة التي لم يتقن رساموها وضع الخطوط، حيث تقع ما تسمى جبهة الإنقاذ الوطني في خطأ قانوني ومدني وجرم قومي وسياسي، ألا وهو تجنيس اللاجئين الفلسطينيين، ومن ثم كما نص أحد البنود: أنها أي الجبهة ستعتبر البعثة الدبلوماسية للسلطة الفلسطينية هي الجهة الرسمية الفلسطينية الشرعية والوحيدة للتعامل فيما يخص الفلسطينيين في سوريا، وهنا نقول: صحيح أنه يحق للإنسان في القانون الدولي اكتساب أكثر من جنسية، لكن في حالة اللاجئين الفلسطينيين، فإنهم إن اكتسبوا الجنسية السورية ، ستكون تبعيتهم حتما وفق القانون والدستور السوري، إلى الدولة السورية، ولا تمثيل حينها للاجئين الفلسطينيين من قبل منظمة التحرير أو هيئة تابعة لها، إلا في حالة واحدة وهي منح اللاجئين الفلسطينيين جوازات سفر فلسطينية صادرة عن الدولة الفلسطينية أي السلطة الوطنية حالياً ريثما تـُعلـَن الدولة الفلسطينية ؛ بالإضافة إلى الجنسية السورية المطروحة، إن تم ذلك، تضمن للاجئين الفلسطينيين حقهم في جنسيتهم  الفلسطينية، وأن لا يتم شطب  قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة والتعويض كما نص عليه القرار 194.
وتأتي خربشات المعارضة السورية المتمثلة هذه المرة بجبهة الانقاذ الوطني لتصب في تمزيق قضية اللاجئين الفلسطينيين وحلها على طريقة أعداء هذه القضية، من إنهاء لشكل المخيمات التي بدأت بتدميرها في الحرب السورية أثناء اشتباكات طرفي الصراع السوري والقصف والاستهداف المستمر لبنيتها التحتية، وتفريغ بعضها من السكان وحصار بعضها الآخر وإبقاء باقي المخيمات تحت ظروف المعيشة غير الآمنة والخالية من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
وفي الوقت الذي يتم فيه استصدار قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2334 الذي أكد أن المشكلة في الاحتلال والاستيطان وأن الأرض الفلسطينية هي ليست أرض متنازع عليها وإنما هي أرض فلسطينية، وأيضا في وقت انعقاد مؤتمر باريس الذي يكمن في عقده رفع مكانة القضية الفلسطينية على الصعيد الدولي، وإعادة الزخم لحل الدولتين، بعدما انشغل عنها المجتمع الدولي  بتداعيات الربيع العربي المزعوم، وفي عزل اسرائيل دولياً من ناحية أخرى، فإن جبهة الإنقاذ الوطني تجمع قواها لتصب هدفها في مجرى بعيد كل البعد عن المصلحة الفلسطينية؛ خاصة أن قضية اللاجئين الفلسطينيين هي جزء لا يتجزأ من القضية الفلسطينية والثوابت التي تؤكد عليها القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، وهذا ما عبرت عنه تصريحات قيادات فلسطينية، منها، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، زكريا الآغا، ورئيس دائرة اللاجئين، حيث  شدد في بيانٍ له، على عدم أحقية جبهة الإنقاذ باسترضاء حكومة الاحتلال الإسرائيلي على حساب القضية الفلسطينية، قضية العرب الأولى، وأن هناك عبثًا سياسيّاً يستهدف القضية الفلسطينية، بما فيها قضية اللاجئين، وأن تلك المحادثات لا تمثل رؤى الشعب السوري الشقيق، مؤكداً على أن المخيمات الفلسطينية ستظل رمزًا لنكبة اللاجئين الفلسطينيين وتشردهم ومعاناتهم وتضحياتهم حتى نيل حقوقهم الكاملة كما جاء في البيان .
ومن ناحية أخرى تحاول المعارضة السورية إضفاء صفة تبعية المخيمات الفلسطينية لها وخاصة مخيم اليرموك، وتنصيب نفسها مسؤولةً عنه من خلال إعلان قرار صادرعن الهيئة العامة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين المزعومة في الحكومة السورية المؤقتة، والقاضي بتشكيل لجنة محلية لمخيم اليرموك، تقوم بمهام المجلس المحلي، بناء على دور الهيئة في إدارة شؤون المخيمات الفلسطينية في سوريا وفق خصوصية أوضاعها الوطنية والسياسية حسب تصريحات المعارضة، وبذلك فإن اللجنة المحلية المشكلة من قبل المعارضة السورية ستقوم بتسيير شؤون مخيم اليرموك في كافة المجالات المدنية والخدمية، والتي تضم تسعة أعضاء تمثل المهام التالية: رئيس اللجنة المحلية، أمانة السر، المكتب الاغاثي، المكتب التعليمي، مكتب النشاطات، مكتب الخدمات، مكتب الاحصاء والتوثيق، المكتب الاعلامي، والمكتب المالي؛ وهذا لا يعني إلا مزيداً من توريط المخيمات، وتصويرها على أنها كيانات تابعة للمعارضة على عكس ما يريد الإجماع الفلسطيني في سوريا وخارجها؛ وهذا يؤدي بالضرورة إلى تدمير المخيمات والتجمعات الفلسطينية من خلال جرها إلى دائرة النار المركزية الأخيرة التي تأتي على الأخضر واليابس.
إذن فإن كل مجريات الأحداث الدائرة في فلك قضية اللاجئين  الفلسطينيين، تؤكد ما كنا نحذر منه سابقاً، من استهدافٍ متعمدٍ لتفتيت حق العودة ، الذي تـُنسَجُ خيوط المؤامرة عليه بأكثر من يد ٍ، والطامة الكبرى بأيد ٍ قريبةٍ كانت بالأمس تنادي بالنصر لفلسطين.