المشهد الفلسطيني يضج بالأسئلة والإستنتاجات والقراءات متعددة الإتجاهات والأهداف، بعضها يميل للموضوعية، والآخر يسقط أسير الإسقاطات الرغبوية. والساحة الفلسطينية ليست إستثناءا، لا بل هي إمتداد لما يعيشه العالم من إضطرام هائل في مركبات ونواظم السياسية داخل الأقطاب والدول والتحالفات الدولية والإقليمية والقارية. غير ان للساحة الفلسطينية خصوصيتها الناجمة عن عدم تحقيق الأهداف الوطنية، وإستمرار الإحتلال الإسرائيلي في رفض خيار السلام، ومضي قياداته الإستعمارية في تأبيد الإستيطان، كونها تعتقد ان الظروف الذاتية والموضوعية مؤاتية لمآربها الصهيونية. ولإن الحالة الفلسطينية تعاني من التشرذم والإنقلاب الحمساوي، الذي يعرض المصالح العليا للخطر الداهم، وايضا لعدم تجدد الشرعيات في المنظمة، ونشوء فجوة في العلاقات الداخلية بين القوى والشارع...إلخ
لكن القراءة الموضوعية للمشهد الفلسطيني تحتم على القارىء الجاد والمسؤول الإرتكاز إلى قواعد ناظمة لقراءته لبلوغ الإستشراف العلمي أو الأقرب للمنطق، منها: اولا النظرة الشمولية للسياسة في الساحة، بمعنى عدم قصرها على فصيل او اللحظة الراهنة دون ربطها بخلفياتها؛ ثانيا لا يجوز قراءة التطورات والخلوص لإستنتاجات من خلال حصرها بشخص، اي كان هذا الشخص وموقعه ودوره. لإن في ذلك إجتزاء من جهة، ومغالاة وتطاول من جهة أخرى. وهو ما يفقد القراءة أهميتها وبلوغ الموضوعية؛ ثالثا الربط ما بين العوامل الذاتية والموضوعية، وأثرها في بعضها البعض، وعلى بعضها البعض؛ رابعا حتى عندما يتم تشخيص سياسات قائد ما، لا تكون القراءة مبتسرة وإنتقائية وإسقاطية. بل يجري قراءة مرتكزات سياسة هذة الشخصية، والشروط المحيطة بها: التنظيمية والوطنية والعلاقة مع دولة الإحتلال الإسرائيلية والمتغيرات الإستراتيجية في الأقليم والعالم؛ خامسا ايضا القراءة تحتم رؤية الشروط الداخلية والخارجية في إشتقاق اشكال النضال. وبالتالي لا يكفي ان نرفع لواء أشكال نضال لا تستجيب ولا تخدم المصالح الوطنية العليا للشعب والقضية في لحظة سياسية بعينها لمجرد إرضاء الذات او التناغم مع دافع الفاتورة؛ سادسا عدم لي عنق الحقيقة في قراءة تداعيات المشهد وحصر الإيجابيات او السلبيات في شخص بعينه، اي كان موقعه ودوره، وعلى اهمية ومسؤولية الفرد في التاريخ؛ سابعا قراءة خلفيات القوى المنتجة للإنقلاب في محافظات الجنوب بشكل موضوعي ومسؤول، ووضع النقاط على الحروف، وعدم وضع الرأس في الرمال، والتهرب من المكاشفة الحقيقية لإجندتها الفئوية، وأجندات القوى المرتبطة بها، وبالتالي لمدى إستعداد تلك القوى للإلتزام باستحقاقات المصالحة الوطنية .. إلخ من العوامل ذات الصلة.
لا احد يستطيع التنكر لبؤس الواقع وعمق الأزمة الوطنية، وإشتداد الهجمة الإستعمارية الإسرائيلية الأميركية والإخوانية. والحاجة إلى المراجعة الشاملة لمكونات الخطاب السياسي، والعمل على إستنهاض الذات الوطنية، وتجديد الشرعيات وتفعيل دور ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية، وإشتقاق الوسائل والأليات المناسبة لحماية المشروع الوطني من التآكل، وتصويب العلاقة مع قطاعات الشعب المختلفة لإستقاطبها في بؤرة الفعل الوطني، وقطع الطريق على مخططات إسرائيل وأدواتها المحلية او المتساوقة مع سياساتها ومشاريعها ، وحث الأشقاء والأصدقاء في العالم لدعم الحقوق والأهداف الوطنية.
أما حصر وقصر الحل في غياب شخص بعينه، فهذا سقوط مريع، وإسقاط رغبوي يعكس إفلاس سياسي بإمتياز. وتغييب للعقل والمنطق على حد سواء. فضلا عن انه، لا يعدو أكثر من السباحة في تيار قصيري النظر، وتغليب الحسابات الضيقة والشخصية على المصالح العامة. القراءة الموضوعية والجادة، تلزم أصحابها الإبحار في قراءة العقل الجمعي والفردي، الشروط والعوامل الموضوعية والذاتية على حد سواء. وليس الإختزال والقصر على شخص بذاته لبلوغ الإسقاطات المتهاوية والعدمية.