لأحد الماضي كان يوما مهما في الحراك السياسي والاجتماعي الاسرائيلي. انطلقت حركة الشارع الاسرائيلي وخاصة الطبقات الفقيرة والوسطى، التي باتت تئن تحت وطأة غلاء المعيشة، وارتفاع اجور السكن، وارتفاع أسعار الشقق، وارتفاع أسعار البنزين والسولار، وارتفاع نسبة الضرائب البنكية، وانخفاض الاجور، انطلقت تظاهرات واحتجاجات شعبية غير مسبوقة، بلغ عدد المشاركين فيها (150) ألف شخص. يطالبون بـ»العدالة الاجتماعية».

عبر فؤاد بن اليعازر، وزير البنى التحتية السابق عن خشيته من الكارثة المحدقة باسرائيل، ان لم توقف حكومة نتنياهو ضخ الأموال على الاستيطان الاستعماري. وتوافق معه الاعلامي المخضرم أوري افنيري، الذي ربط بين الأزمة الاجتماعية الخانقة وبين تغول الاستيطان الاستعماري. حيث لا تتوانى حكومة اليمين الصهيوني المتطرف عن تضخيم موازنات الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 على حساب مصالح الطبقات والفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة، ما أجج حدة السخط والغليان في الشارع الاسرائيلي، ودفع جموع المتضررين من الفاقة وضيق اليد للنزول للشارع.

أزمة السكن بوجهيها الاجور وارتفاع أسعار الشقق داخل الخط الأخضر، في الوقت، الذي يتم فيه التدليل على السكن شبه المجاني في المستعمرات المقامة في القدس والضفة عموما، إضافة الى كم غير محدود من الامتيازات، التي تمنحها الحكومة ومجلس يشع والمنظمات الداعمة لقطعان المستوطنين، شكل حافزا قويا للمتضررين من عملية التمييز في أوساط المجتمع الاسرائيلي للتظاهر وفتح جبهة مواجهة مع حكومة أقصى اليمين. بتعبير أدق، الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الحادة ، التي تمر بها إسرائيل ذات جذر سياسي بامتياز. صحيح ان المواطن الاسرائيلي لم يربط بين المسألتين، ولكن المتابع لآليات عمل حكومة نتنياهو ليبرمان وباراك ويشاي، وسياساتها في الميادين المختلفة، لا يحتاج الى جهد كبير لاكتشاف الرابط العميق بين وجهي الأزمة كما أشار بن اليعازر.

حراك الشارع الاسرائيلي، لم تقف خلفه قوى سياسية بعينها او اليسار الاسرائيلي، إنما وقفت خلفه المصالح الحيوية للمواطنين الاسرائيليين. وتمثل ذلك بمشاركة قوى اجتماعية من مختلف ألوان الطيف الحزبي الاسرائيلي. تجمعهم غاية أساسية رفض الظلم الاجتماعي والفاقة واتساع عملية الاستغلال والنهب من قبل الحكومة لقوت الطبقات والفئات الاجتماعية الوسطى والفقيرة، لذا رفعوا شعارهم الناظم «الشعب يريد العدالة الاجتماعية». وللتأكيد على استقلالية الاحتجاجات عن الأحزاب كافة، ان عملية تنظيمها تحملته الفئات والقوى المنظمة لها. ما ساهمت به «كاديما» قيمة اللافتات، وساهمت مؤسسة أخرى بالخيام لمعتصمين في ميادين «التحرير» الاسرائيلية، في حين حاولت حركة شاس ركوب موجة الاحتجاجات، وهددت بترك الحكومة إن لم يتم التجاوب مع مطالب المحتجين في تخفيض الايجارات وأسعار الشقق. مع انها شريك اساسي في كل السياسات التي أودت بالأمور الى ما هي عليه الآن.

الاحتجاجات والاعتصامات الشعبية للشارع الاسرائيلي الأكبر من نوعها، مازالت تتفاعل، ولا يبدو في الأفق إمكانية لحكومة نتنياهو بتخطيها، لان المحتجين، أعلنوا صراحة أنهم لن يغادروا الميادين إلا باستقالة الحكومة، التي أنتجت الأزمة العميقة نتيجة سياساتها العنصرية الاستيطانية ووقوفها في خنادق البرجوازية الخنزيرية، وحماية مصالحها من خلال نهب الفئات والطبقات الوسطى والدنيا داخل المجتمع الاسرائيلي. بتعبير آخر، الأزمة مازالت في بداياتها، والحراك الشعبي يتنامى يوما تلو الآخر، الأمر الذي يفتح الأفق على إمكانية اهتزاز أركان حكومة اليمين الصهيوني المتطرف بزعامة الليكود، وإجبارها على الدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة للكنيست التاسع عشر. لان كل المساعي الترقيعية لحكومة نتنياهو والرئيس شمعون بيريس، لن تجدي نفعا. إلا إذا لجأت الحكومة العنصرية لخيار التصعيد واعلان الحرب على جبهة من الجبهات او على كل الجبهات لخلط الأوراق. او إذا لجأت للالتزام بخيار التسوية السياسية، ووافق على دفع استحقاقات خيار حل الدولتين للشعبين على حدود الرابع من حزيران 1967. وبالتالي حولت الاموال، التي تصبها في نهب ومصادرة وتهويد الأراضي الفلسطينية، وفي تعميق خيار الاستيطان الى دعم حاجات المواطنين الاسرائيليين، ولجأت الى وقف دعم البرجوازية على حساب الطبقات الفقيرة والمعوزة، ولكن هذا الخيار لا يتوافق لا من قريب او بعيد مع توجهات وسياسة حكومة نتنياهو. الأمر الذي يعني، ان الأزمة في طريقها الى مزيد من التفاقم مع التداعيات الدراماتيكية الملازمة لها.