حرارة مرتفعة تجتاح منطقة بلاد الشام ، تزداد سخونة في الاردن ، مع بداية العد التنازلي لموعد إجراء الانتخابات النيابية لمجلس النواب الثامن عشر يوم 20/9/2016 ، حيث اللقاءات والدعوات ومحاولات تشكيل القوائم ، قليلاً منها أفلح وقيد الاعلان مع فتح أبواب الترشيح ، وأغلبها يتعثر نظراً لقلة الخبرة السائدة في عقد التحالفات وتشكيل القوائم .
الاحزاب اليسارية والقومية التي نمت فلسفتها وقويت عزيمتها مع شيوع قيم العمل الجبهوي في طريقة عملها ، وعقد التحالفات وصولاً إلى الهدف عبر توسيع قاعدة الشراكة من أطراف صديقة وتضييق فرص النجاح والانتشار على الخصم ، ولكنها بدلاً من أن تسعى لتنفيذ هذه الرؤية وتطبيق هذه السياسة ، يبدو أنها نسيت ثقافتها بهذا الخصوص ، وضاعت بوصلتها ، وتجد نفسها في حالة خصومة مع نفسها ومع أصدقائها المفترضين إلى الحد أنهم جميعاً لم يُفلحوا في تشكيل قائمة مشتركة فيما بينهم ، ولم تتسع صدورهم لبعضهم البعض ، فضاق بهم الحال يستأثرون الذاتية والانانية الضيقة على حساب نجاحهم وحضورهم السياسي وإرثهم الكفاحي ، غير مدركين بعد نتائج ثلاث تطورات سياسية جوهرية قلبت موازين القوى لصالح القوى الاكثر محافظة ولصالح أحزاب التيار الإسلامي ، والتطورات هي :
أولاً : نتائج الحرب الباردة والتي أدت إلى هزيمة اليسار وتراجع دوره وتأثيره .
ثانياً : إحتلال العراق وإخفاق أحزاب التيار القومي .
ثالثاً : نتائج ثورة الربيع العربي المدمرة التي أكلت الاخضر واليابس ، وتركت بصماتها الثقيلة في مشاهد كارثية لم تُقيم خراباتها بعد ، مما يستدعي من الاحزاب اليسارية والقومية التواضع وتوسيع حجم تحالفاتها على أساس القواسم المشتركة ، ومراكمة المكاسب الصغيرة وصلاً إلى حالة أرقى من العمل السياسي والحزبي والنقابي والبرلماني مستقبلاً يُعيد لها ما تستحقه من إحترام ومكانة .
حركة الإخوان المسلمين إضافة إلى إدراكهم حجم المخاطر التي واجهتهم ، والتحديات التي تصطف أمامهم ، ورغبة لأنتزاع شرعيتهم السياسية بعد إستنفاذ شرعيتهم القانونية ، سعوا لبناء أكبر شبكة تحالفات تجمعهم ، وتزيد من حضورهم ، وتحفظ لهم صداقات تربطهم ، عملوا على تشكيل قوائم حزبية وسياسية وجبهوية ، وضغطوا على أصدقاء مترددين أملين تحقيق وصياغة شبكة من القوائم الائتلافية تتسع لأكبر حجم من الاصدقاء وصولاً لنجاح أكبر كتلة برلمانية متماسكة قد تصل إلى ثلث أعضاء مجلس النواب القادم ، إذا لم تدخل عوامل غير إنتخابية تحد من ثقل فوزهم ، يساعدهم في ذلك قانون إنتخاب تجريبي تستفيد منه شريحتين من الطامحين :
أولهم مرشحو الكوتات من النساء والمسيحيين والشركس ، فهم موضع إهتمام من قبل المترشحين ، وإرتفع ثمن مقايضاتهم لتحقيق مكاسب مباشرة لهم بدلاً من تقديم أنفسهم مرشحين لدى القوائم المتنافسة ، مع تقديم إغراءات ملموسة لمن لديه حد أدنى من الحضور أو النشاط منهم .
أما الشريحة الثانية المستفيدة من القانون فهي حركة الإخوان المسلمين القوية التي مازالت رغم الانقسامات التي عانت منها ، مازالت متماسكة على أغلبها ، وأكثر ما يُضعفها هو الانانية الزائدة لدى بعض قيادات الجناح المتنفذ الذي يرغب في الوصول إلى مجلس النواب مستفيداً من رخم الاندفاع لدى قواعدهم ، الذين يتطلعون لرد الاعتبار لأنفسهم عبر تحقيق أكبر مكسب سياسي لهم عبر الإنتخابات النيابية ، فقد قدمت القيادة تنازلات جوهرية وإجرائية ، وحنت رأسها للعاصفة ، وستدخل الإنتخابات بشعارات سياسية ليس لها علاقة بالدين والتدين ، فمعركتها سياسية ، وسياسية بإمتياز ، وتسعى لنيل مكاسب سياسية وسياسية فقط ، وهذا ما يجب فهمه وإستيعابه ، أن حركة الإخوان المسلمين حركة سياسية تسعى للوصول إلى مؤسسات صنع القرار مثلها مثل كل الاحزاب السياسية بصرف النظر عن خلفيتها ومرجعيتها اليسارية أو القومية أو الليبرالية ، فالتطلعات سياسية وأدواتها سياسية ، وصراعاتها في جوفها هو صراع سياسي حزبي سلطوي ليس له علاقة بالدين والتدين فالذين خرجوا أو إنشقوا أو بقوا لا أحد منهم يتهم الاخر أنه خرج عن الدين وأخل بالعقيدة ، بل هو صراع سياسي حزبي بهدف الوصول إلى الهيمنة على مؤسسات صنع القرار داخل الحركة ، ومنها ومن خلالها الوصول إلى الهدف السياسي ، وأدواته العمل الجماهيري والخيري والنقابي والبرلماني وغيره من الادوات المتاحة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها