ترجع بدايات المفهوم الحديث لحرية الرأي والتعبير إلى القرون الوسطى في المملكة المتحدة بعد الثورة التي أطاحت بالملك جيمس الثاني من إنكلترا عام 1688، ونصبت الملك وليام الثالث من إنكلترا والملكة ماري الثانية على العرش. وبعد سنة من هذا أصدر البرلمان البريطاني قانون "حرية الكلام في البرلمان".
وبعد عقود من الصراع في فرنسا تم إعلان حقوق الإنسان والمواطن في فرنسا عام 1789 عقب الثورة الفرنسية الذي نص على أن حرية الرأي والتعبير جزء أساسي من حقوق المواطن.. وكانت هناك محاولات في الولايات المتحدة في نفس الفترة الزمنية لجعل حرية الرأي والتعبير حقا أساسيا لكن الولايات المتحدة لم تفلح في تطبيق ما جاء في دستورها لعامي 1776 و 1778 من حق حرية الرأي والتعبير حيث حذف هذا البند في عام 1798 واعتبرت معارضة الحكومة الفدرالية جريمة يعاقب عليها القانون ولم تكن هناك مساواة في حقوق حرية التعبير بين السود والبيض.
ويعتبر الفيلسوف جون ستيوارت ميل، من أوائل من نادوا بحرية التعبير عن أي رأي مهما كان هذا الرأي غير أخلاقيا في نظر البعض حيث قال "إذا كان كل البشر يمتلكون رأيا واحدا وكان هناك شخص واحد فقط يملك رأيا مخالفا فان إسكات هذا الشخص الوحيد لا يختلف عن قيام هذا الشخص الوحيد بإسكات كل بني البشر إذا توفرت له القوة" .
واقرت الجمعية العامة للامم المتحدة سنة 1948م الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي تضمن حق كل شخص بالتمتع بحرية الراي والتعبير، وتبنت في سنة 1966م العهد الدولي للحقوق المدينة والسياسية الذي يعكس ما نص عليه الاعلان العالمي لحقوق الانسان فاكدت الماد (19) منه على حق كل انسان في اعتناق الاراء دون ضايقة والتعبير عنها ونقلها للاخرين دونما اعتبار للحدود بالوسيلة التي يختارها.
واكد الميثاق الاوروبي لحقوق الانسان سنة 1950 على حرية الراي والتعبير وكذلك الميثاق الامريكي لحقوق الانسان سنة 1969 والميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب سنة 1979، والميثاق العربي لحقوق الانسان الذي اعتمد في القمة العربية السادسة عشرة سنة 2004. وفي سنة 1978م تبنت اليونسكو في وثيقة الاعلان بشأن المبادئ الاساسية الخاصة باسهام وسائل الاعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي وتعزيز حقوق الانسان ومكافحة العنصرية والفصل العنصري والتحريض على الحرب والحق في حرية الراي والتعبير. اما في سنة 1995م تبنت مجموعة من المختصين في القانون الدولي وحقوق الانسان مبادئ "جوهانسبيرغ" حول الامن القومي وحرية التعبير والوصول الى المعلومات.
مظاهر حرية الرأي والتعبير:
يرتبط الحق في حرية الراي والتعبير ارتباطاً وثيقاً بحرية الاعلام بكافة اشكاله (الطباعة والنشر، الاعلام المرئي، المسموع، الالكتروني)، وحرية الوصول الى المعلومات وحرية المجتمع السلمي.
1. حرية الطبع والنشر: تعتبر الكتابة اولى الرسائل التي عرضها الانسان لصياغة ونقل افكاره، ثم ظهرت المطبوعة وانتشرت في العصر الحديث باشكال متعددة (الكتاب، الصحيفة، المجلة، النشر)، والمطبوعة الالكترونية. وكانت بدايات الاعتراف الرسمي بحرية الراي والتعبير طبقا لاعلان حقوق الانسان الفرنسي عام 1789م، تؤكد ان وسيلة ممارسة حرية الراي والتعبير للمواطن "ان يتكلم ويطبع بصورة حرة"، وارست الامم المتحدة حق حرية الاعلام الذي من اهم دعائمه وطرق ممارسته الكتابة والطباعة والنشر كحق من حقوق الانسان الاساسية.. كما وتعتبر الصحافة الدورية بانواعها اكثر الركائز تأثيراً في الراي العام كما انها احد اهم اسس وركائز المجتمع الديمقراطي.
2. حرية النشر الالكتروني: وهي من الحريات التي اخذت مكانها حديثاً نتيجة التطور الهائل لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والنفاذ لشبكة الانترنت، حيث اتاح الانترنت لكم هائل من المواطنين في العالم بالتعبير عن ارائهم ومواقفهم. واكد التزام دولة تونس الصادر عن القمة العالمية حول مجتمع المعلومات عام 2005م على ما ورد في اعلان المبادئ الذي اعتمدته القمة العالمية لمجتمع المعلومات عام 2003م بان حرية التعبير وحرية تدفق المعلومات والمعارف والافكار والعلم ضرورية لمجتمع الاعلام.
ويمكن الاسراع في هذه العملية بازالة الحواجز امام النفاذ الى المعلومات للجميع بشكل كامل وغير تمييزي وبكلفة معقولة وتشجيع النشر الالكتروني.
واكد الالتزام بضرورة المواجهة الفعالة للتحديات والتهديدات الناتجة عن استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لاغراض لا تتفق مع حفظ الامن والاستقرار الدوليين.
3. حرية الرأي في اطار المرئي والمسموع: ادى التطور في وسائل الاعلام ليشمل الاعلام المقروء والمرئي والمسموع وشمل ايضا التطور في حقوق الانسان وحرية الاعلام باشكاله كاداه للتعبير والنشر.
وتتمتع وسائل الاعلام المرئي والمسموع واهمها الاذاعة والتلفزيون بدور فعال في ممارسة الراي والتعبير كمنبر لبث الاخبار ونقل الاراء ومناقشتها على المستوى المحلي والعالمي.
4. حرية التجمع السلمي: وتشكل حقا من حقوق الانسان الاساسية التي قررها الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948م كما اكد عليها المعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية حيث نصت المادة (21) " يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به ولا يجوز ان يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق الا تلك التي تفرض طبقا للقانون، وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة الامن القومي او السلامة العامة، او حماية الصحة العامة، او الاداب العامة، او حقوق الاخرين وحرياتهم".
والتجمع السلمي هو قدرة المواطنين على الالتقاء بشكل جماعي يهدف لعقد الاجتماعات العامة او المؤتمرات او المسيرات او الاعتصامات السلمية في اي مكان وزمان وبغض النظر عن الجهة المنظمة ليمارسوا ضغطا على السلطة التنفيذية بهدف التعبير عن مواقفهم.
واخيرا مع الحكمة القائلة
"لا اعرف الا نوعا واحدا من الحرية .. الا وهي حرية العقل"
(الدوس هكسلي)
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها