التعليق الهام لأخوة ثلاثة على الفكرة التي طرحتها حول معنى المشروع «الاسلامي» أو المشروع العربي الاسلامي، وذلك في ظل ادعاءات انتشرت بين أحزاب عدة تدعي امتلاك الحقيقة أو امتلاك الدين أو امتلاك الله عز وجل حصريا، وبالتالي امتلاك ما أصبح يسمونه (المشروع الاسلامي) في أمة المسلمين، أي ما يختزلونه بحيث يخصهم كجماعة أو حزب أو مجموعة أحزاب، لا كأمة تسعي بالمشروع مهما كان اسمه للنهضة والتقدم والعدالة والتنمية والبناء والابداع، وأن تجد لها مقعدا بين الأمم الراقية.
لقد قلت في منشوري على حائطي في (الفيسبوك) أن المشروع الاسلامي (وهوالمشروع العربي الاسلامي، أي المستمد من حضارتنا وثقافتنا العربية الاسلامية بكافة مكوناتها القومية والدينية حيث كان الكرد والامازيغ والفرس والعرب وغيرهم في صلبها...والمسيحيون والطوائف الأخرى أيضا في هذه الحضارة) مشروعا انسانيا لأن الدين الإسلامي دين البشرية والإنسانية جمعاء، وليس مختصا بقوم أو فئة أبدا ، وإذ نظر كل من الأخوة الثلاثة من زوايا مختلفة إلا أن ما قالوه كان إثراء هاما وحقيقيا، وإضافة يعتد بها دعتني لمثل هذا الحوار، فأشكرهم بداية كلا باسمه كما أشكر جميع الأخوات والأخوة الذين اصطحبهم معي حلا وترحالا عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
قلت نصا عن المشروع «الاسلامي» بعد أن أضفت تخطيطا رقميا له هنا، أن: (المشروع الاسلامي الرحب المستنير كما أعتقد: مشروع العقل متعدد الأبعاد وهو العقل المتفتح القادر على بناء وتغيير الذات أولا، وفهم الآخر واحترامه ، وهو ثانيا الراغب برفعة الإنسان -كل إنسان أو مواطن-عبر التمسك بالقيم والمبادئ والقوانين والحوار، وبالنهل من نبع العلم العالي ، وثالثا هو المشروع المقاوم لظلمة النفس المجاهد ضد تكبرها أو غلوائها أو أنانيتها أو ضعفها أوسوداويتها، ورابعا هو مشروع الإبداع والتجدد ومحاربة الجهل والتجهيل والدين بالتفصيل، وخامسا هو المشروع الرافض للاستبداد والظلم وانعدام العدالة، والساعي لسد حاجات الناس بالاقتصاد والزراعة والصناعة....وسادسا: هو مشروع إسعاد النفس والآخرين معا دون ضيق أفق أو تعصب أو حصرية، وهو مشروع التسامح والمحبة ونفع الناس وبناء مستقبلهم بعيدا عن التصنيفات فكلنا في هذه الأمة ومن نتاج حضارتها العربية الاسلامية).
وعليه أود ان أشير الى ما هو إضافة استلزمها تعليق الأساتذة الكرام على منشوري السابق الى أن الدين أي دين ومنه ديننا الاسلامي الحنيف هو : معاملة وأخلاق وقيم ومبادئ وعبادة وهو بذلك كلّ متكامل، أما فرض الإيمان أو حتى الرأي بشكل محدد أو صورة محددة فان ذلك يخالف سعة الاجتهادات الاسلامية ، حيث حصر الشكل ضمن تفسير حزبي ضيق على الناس، وما فيه عند كل حزب أو جماعة من إسباغ للونين فقط على الرأي، أحدها منزه وهو رأي الحزب الذي يسمى نفسه «اسلامي» وينزعها عن الآخر فانه مما لا يصح، حيث تكمن هنا الخطورة أين تبدأ الحرارة تعبث بمخزن المتفجرات، وتبدأ التعصبات وضيق الأفق وصولا للقتل، فلقد تم اختزال كل الألوان عند هؤلاء في لون واحد.
تقول الموسوعة العالمية (أظهرت الذئاب في الأسر سلوكاً مغايراً لسلوكها البري في بعض الأحيان، إذ أن تلك «الخاضعة» منها، أحياناً ما تتحدى الزوج المسيطر، الأمر الذي قد ينجم عنه قتل الإناث لأمهاتها وقتل الذكور لأبائها ،ولم يتم توثيق أي حالة مماثلة لهذه في البرية)، وهذا السلوك الحيواني البشع نتيجة «الأسر» للذئب البنّي و«الخضوع» لانريد مثله إنسانيا، إذ أن اغلاق العقل أو «أسره» و«اخضاعه» قسرا ما يمنع عنه الهواء النقي ورحابة الدنيا والاسلام لهو مدعاة ومحفز للقتل حكما، بحيث نتحول من بشر أكرمنا الله بالعقل الى ذئاب.
إننا في أمة كلها (أو جلّها) مسلمون، وادعاء «الاسلامية» لشريحة أو حزب أو شخص محدد خطر ينذر حكما باستبداد بالرأي واقصاء الآخر، وأنا أردد دائما أن كل مسلم فهو إسلامي بغض النظر عن حجم تدينه ورأيه السياسي، أما الاسلاموي فهو احتكار للدين في الحزب أو الشخص وإقصاء الآخر.
ولا بأس أن نعرج على موقف حزب النور المصري السلفي من الصراع الفكري السياسي الدائر في مصر ما يتفق مع رؤيتنا، اذ يقول في بيان له من أيام أنه: «يرفض توصيف الصراع الحالي بأنه صراع بين معسكرين إسلامي وغير إسلامي، وأن كل من يعارض سياسات النظام الحاكم فهو ضد الإسلام والمشروع الإسلامي، فالشعب المصري في مجموعه لا يزايد أحد على قبوله للشريعة الإسلامية ورغبته فيها حتى معظم المعارضين للسياسات الحالية».
وفي ذات الصلة انتقد د.عبد المنعم أبوالفتوح القيادي الاسلامي المستنير على قناة «سي بي سي»، الربط بين الإطاحة بالرئيس محمد مرسي وكون ذلك يمثل الإطاحة بالرئيس «الإسلامي»، واصفا ذلك بأنه نوع من التسييس للدين، كما انتقد الحديث عن إقامة إمارة إسلامية في مصر واصفا ذلك بالعبث.
نقول أيضا لم يكن الاسلام يوما دينا كهنوتيا ما هو معلوم بل هو دين مدني خالص أي جاء لنفع الناس كلهم ولخيرهم ومصلحتهم وترك الأيمان مربوطا به أي بالله سبحانه تعالي ب»القرب» اذ أنه أقرب إليه من حبل الوريد كما قال في محكم التنزيل، أما مفاهيم العلمانية وخلافه ما عرج عليه أحد الأخوة المتدخلين على منشوري الحائطي فأقول أن معظم التيارات الاسلاموية استلت السيف في تراثها الفكري-التاريخي ضد «الوطنية» الكافرة و«الديمقراطية» الكافرة و»القومية» الكافرة كما يسمونها في أدبياتهم، وكذلك ضد «العلمانية» الكافرة والشيوعية أو الاشتراكية الكافرة كما يشيرون، الا أنهم تبنوا الثلاثة الأوائل وإن بصعوبة وتعثر، ونجحوا في شيطنة مصطلح العلمانية والاشتراكية والتي لا أتفق شخصيا معهما في كثير من مضامينها رغم مئات التعريفات للعلمانية حسب د.فهمي جدعان التي أحدها فقط يحمل معنى اللادينية وهو المختلف عن العلمانية.
وأكثر من ذلك فان خالد الحسن كمفكر عروبي إسلامي كبير كان من أول من قال جهرة أن الدين الاسلامي دين علماني، بتقديري بمعنى العلم والعالمية الخ..
وأقصد بكلامي هذا أن المحرمات في النقاش عند الاسلامويين والغلاة والمتعصبين عامة كانت كثيرة وأصبحت أكثر بحيث انك إذ تطرق موضوعا من باب التأمل والحوار والنقاش ومحاولة ازالة التراب عن العقل كي تستخدم منحة الله لك فيما يفيد ذاك الذي أمرنا به الله تعالى فإن هذا «الفعل العقلي-التفكير» يعني لكثير فيهم تصنيفك سلبا، وقد يصل لاستلالهم سيف التكفير الجبّار يبطشوك به، رغم التشديد الالهي على ضرورة التأمل والتفكر والنظر.
ومن هنا فأنا كمؤمن بالله والحمد لله وأعتز بايماني وإسلامي ولا أرغب بفرض رؤيتي الدينية على أحد ناهيك عن رؤيتي السياسية، فأنا أفكر وأتأمل وأستفيد وأنظر وأبحث في آلاء الله وآياته ما أتمناه للآخرين جميعا، ولنأخذ مثالا رئيس الوزراء التركي الذي استقبلته حشود «الاخوان المسلمين» عندما دخل مصر لأول مرة بعد الانتخابات الرئاسية اذ رفع «الاخوان» رايات ما يسمونه «الخلافة» العثمانية، فقال لهم ما يعبر عن فهمه المختلف لدوره كمسؤول وكمسلم إذ قال: أنا أدير دولة علمانية بخلق الانسان المسلم، وهذه نظرة قابلة للتأسي أو النقد الا أنها تطور واضح في العقلية مخالفة للنهج العثماني الاستبدادي الذي أغلق العقول في مساحة ضيقة كان الله سبحانه قد جعلها رحبة، وما زالت.
واستتباعا لما سبق نطرح نموذجا آخر، وهو نموذج دولة الامارات العربية المتحدة في اعتناق التطور والنماء والتقدم والنهضة والعدل المستند «للخيرية» و«النفعية» المستمد من قول الرسول الكريم (خير الناس أنفعهم للناس) فهو مما يحتذى به، كما إنه قابل للتأسي بمعنى واضح فان كان الاسلام دين عالمي وهو كذلك فهو يعني بالإنسان وسعادته وخيره أكان مسلما أم لا، وهو يهب المسلم من الانسانية سعادتين في الدنيا والآخرة ولا يرى أن تكون سعادة الدنيا خاصة بالمسلمين بل بكل الناس، لذلك من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ولذلك أيضا لم يتجه الإمام علي بن أبي طالب لتكفير أو تخوين أو التشهير بمخالفيه رغم حربهم عليه إذ بعد حوار معه طويل قال عن الخوارج أنهم ليسوا الفاسقين ولا المنافقين ولا الكافرين بل قال قولته المشهورة (إخواننا بغوا علينا).
أختم بالقول أن الخلاف على المصطلحات ليس هو المهم برأيي فقد نختار مصطلحا ونتفق على تعريفه غير ما يعرّفه به أصحابه أو منشؤوه أو مستخدموه، وإنما الأصل هو المبدأ والقيم والأسس الحاكمة للثقافة والحضارة والفكرة ومنه لسياسة الدولة فان حكمتني مبادئ وقيم سامية فان في ذلك إنعكاس سلوكي في الإدارة والقيادة وشؤون الناس «السياسة»، وهو ما أريده من أي حاكم أرضي لا فضائي، حيث لا يهم الجماهير الغفيرة أكنت أصلي قيام الليل أم لا، إذ يهمها أن يقوم الرئيس أو القائد أو المسؤول نهارها هي، أي أن يؤدي أمانته فيهم أمام الله، أما العبادات وعدد الركعات فهي محسوبة له بينه وبين الله في الفردوس الأعلى.
هذا هو الدين القيم، ورحمة ربك بعباده ولطفه ومحبته أن اختلفوا في الأفهام والعقول وما نتج عنها من اجتهادات، ولم يكونوا حواسيب أو رجالا آليين أو ذوي عقول مغلقة والا لظلوا كالقرود أو الذئاب حتى اليوم يتناسلون بلا إبداع أو تطور أو أخلاق أو نهضة أو روح أو سمو، والحمد لله أوله وآخره
المشروع «الاسلامي» وفم الذئب!/ بقلم بكر ابو بكر
22-06-2013
مشاهدة: 1394
د.بكر أبو بكر
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها