إن النظر للمشهد الفلسطيني من الزاوية السياسية قد يصيب الكثيرين بالإحباط مما تراه من ردود فعل مختلفة للناس في الشارع والمسجد والسوق وأفراح الصيف حيث يشكون الجمود والانقلاب وتراجع القضية داخليا وعربيا.
كما أن النظر لذات المشهد من الزاوية الاقتصادية ليس أكثر تفاؤلاً ولا أفضل حالاً وبالإطلاع لذات الناس ترى الشكاوى تتعالى سواء في سلطنة غزة أو السلطة الفلسطينية.
في ظل الانشقاق الاقتصادي والسياسي (ونأمل ألا يتحول الى اجتماعي نفسي فكري) لا يقف الفلسطيني عاجزاً كما أنه لا يقف ليعبر عن قرفه فقط ويدفن نفسه تحت كومة الأحزان التي تراكمت في السنوات الأخيرة حتى وصلت لمستوى جبال الجرمق الفلسطينية الشامخةـ وإنما يصلب عوده ويتمرس في النضال اكثر.
نعم إن المعاناة صانعة الرجال، والمعاناة لمن يستخدم رأسه في غير تمشيط الشعر أو ادارته ذات اليمين وذات الشمال طربا أو دروشة أوحزنا حالة تفترض كشف الحُجُب عن العقل ليتطور ويبدع ويبتكر، وهذا في ظني من مميزات هذا الشعب المملوء حياة، والراغب بالسعادة الدنيوية والأخروية، والساعي للحرية، والمناضل منذ فجر الثورة والمصصم على العودة والاستقلال وتمزيق الاحتلال، والمجاهد لإثبات شخصيته وكينونته وتميزه، والمحافظ على كرامته رغم كل وسائل القهر الاسرائيلية، وعوامل التيئيس السياسية والاقتصادية والفكرانية وغيرها.
إن الشعب الفلسطيني الذي يضئ عنفوانا ورحابة، ويحمل مشعل النور للمحيط لا يكف عن اجتراح الأفكار والمعجزات والابداعات، فكما كانت (الثورة) معجزته المتواترة منذ بداية القرن العشرين حتى انطلاقة الفتح المبين وتواصله، كانت (الدولة) والاستقلالية الوطنية بتوقيع ظاهر العمر الزيداني تمردا على الظلام والاستبداد والقهر التركي وصولا لمحمود عباس في الأمم المتحدة، وكان النضال بتوقيع القسام والسعدي وأبو درة والحسيني وعرفات وأبو اياد وأبو جهاد والشقاقي وحبش ميزة فلسطينية وخاتما لا تخطئه العين الفاحصة والمنصفة.
وإذا أطلت فلسطين برأسها تختال عبر (الانتفاضات) فإنها أهدت مشعل الثورة والتمرد والاستقلالية الوطنية والانتفاضة لشعوب الأرض كلها، ولتلتقط شعوب العرب هذا المشعل منذ 2010 وتتحدى الاستبداد والاستعباد وتخوض (حرب الاسترداد) لكرامتها، مطالبة بحريتها وبالعدالة والعيش المشترك ولتكسب عقلها وروحها من تجار السلطان وفقهاء السلطان وتجار الدين وتجار القومية، فلا تقبل اليوم أبدا أن يلبسها «أصحاب الجفوة» مع أهلهم وحضارتهم الرحبة السمحة، وأصحاب التشدد والمروق بل والعقوق ثوباً مرقعاً أو ثوباً ليس على قياسها، فهي تمردت وثارت وانتفضت كما كان الفلسطينيون وما زالوا.
إن فلسطين حيث يكتب التاريخ بداية الاسفار تعلّم العالم وهي محاصرة مقموعة محتلة، وترسم خطوات الطريق المنير للفجر القادم، وتقيس الحقائق وتضع الارادات في مستوى الفعل فتنتج فعلاً ناجزاً وفكراً معجزاً وإبداعات.
وددت أن أقدم بهذه العبارات لأنني شعرت بالفخر ليس مرة واحدة وإنما 5 مرات وفي حقيقتها المضاعفة 50 أو 500 مرة، ولفخري هذا مبررات سأسوقها لكم.
إن فلسطين العصية على الكسر والرقم الصعب في معادلة الشرق الاوسط كما جعلها الخالد ياسر عرفات قوية بفكرها النضالي وفعلها الكفاحي وبأبنائها المبدعين، ودعوني أعبر عن سعادتي وفخري بمبدعيها الذين يتفجرون طاقة وابتكارا في ظرف مقعد للعجزة ومحفز للمتوثبين ومنهم طاقات هذا الشعب.
«باب الشمس» وأخواتها ابداع والمقاومة الشعبية ابداع والسير بين الأشواك السياسية والاقتصادية إبداع...... وما في مثل هذا سأخوض، وانما سأتعرض لابداعات فردية في مقابل تلك الجماعية الهامة مما ذكرت ومنها الكثير.
الفنان ايهاب ثابت استطاع بريشته أن يرسم فلسطين بخطه العربي الجميل فيحوز على جوائز عالمية، كما استطاع الأديب غسان زقطان أن يفوز بجائزة عالمية عن ديوانه الشعري الجميل، واستطاع المخترع منجد أبو بكر أن يسجل اختراعاً لإدارة المواقع الالكترونية بكفاءة كما استطاع المخترع زياد الدرعاوي أيضاً أن يبتكر كرسياً لذوي الاحتياجات الخاصة يتم التحكم به عن طريق العين... ( ياعيني على الصبر) كما ردد محمد عساف محبوب العرب.
إن الأمة التي تباهى العالم بمناضليها الشهداء والأسرى والجرحى هي أمة لا تموت، والأمة التي تباهى بمناضليها من قيادة صبورة فاعلة خرجت من رحم فلسطين أمة لا تزول، والأمة التي في أصعب الأوقات وأشدها ضيقاً وفي ظل انحراف أو ضلال فئة فيها لا تنكسر وإنما يتصلب عودها فتنهض لترمي خلف ظهرها أفكار السلبية والسوداوية والنكسات والهزائم هي أمة العرين.
إن الابداع ماء متدفق لا يتوقف عن الجريان، فهو نهر ينبع من عقلك وأنت من يضع أمامه السدود أو يجففه كليا، وأنت نفسك من يرفض هذه (الحواجز) أو (السدود) فيتفكر ويتأمل وينظر ويخترع ويبدع كما أمرنا الله عز وجل تماما، وكما هو شأننا في فلسطين لا كما يحاول ذوو العقول الجافية أصحاب الجفوة مع أهلهم ومنشطي النزاعات والخلافات والاحترابات.
شعرت بالفخر الى حد الزهو (المحمود هنا) لأنني في ظل صعود أناس يحملون الجهالة بين أيديهم ويطفئون مشعل الفكر الحر بإرادتهم، ويبشرون العالم بالظلام أرى مقابلهم شموساً تطل رغماً عنهم، وأرى نفوساً تشرق رغماً عنهم، وأرى الناس وقوفاً يصفقون لا جلوساً لهؤلاء المبدعين الكُثُر في حلبة النهضة، في سماء فلسطين التي تبسط سيطرتها على فضاء العالم العربي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها