وسط حرب الإبادة المتواصلة في غزة، حيث الناس يموتون قصفًا وجوعًا وبردًا، وما أصعب ذلك الموت الذي يتسلل بردًا وصقيعًا ليخطف الأطفال الصغار، والرضع في ليل بارد من ليالي شتاء غزة، حيث الخيام لا تدفئ ولا تمنع البرد، وحيث الحياة مستحيلة العيش وسط كل ما يحدث، ولا شيء حتى الآن يغير الحال، ولا قوة تتحرك لتوقف الإبادة، ولا حيزًا للأمان يكون ملجأ الناس، وهذا هو واقع الحال الصعب والذي يزداد صعوبة مع مرور الأيام. ثلاثة رضع ماتوا خلال يوم واحد بسبب البرد والصقيع، حيث أجسادهم الضعيفة والصغيرة، لم تحتمل برد الشتاء في خيمة فاقدة لكل مقومات العيش، بلا أغطية كافية، وهم في جوع متواصل، حيث الغذاء شحيح جدًا، هذا إن وجد.
طفولة تموت بردًا وذنبها أنها ولدت في غزة، التي تعيش كل فصول الخراب والإبادة، وتعيش تحت نار القصف والخراب والدمار، ووقع المقتلة المتواصلة منذ 448 يومًا، وقد باتت خيام النازحين بالية وممزقة، ومراكز الإيواء أماكن لا تصلح للعيش لأنها أصبحت مكرهة صحية تنتشر فيها الأوبئة والأمراض، ووسط هذا الحال المرير والظروف الصعبة، يموت الأطفال من شدة البرد، وليس هناك ما يؤلم النفس أكثر من تلك الصور والمشاهد التي نراها بعين الكاميرا.
أوجاع الناس في غزة وصرخاتهم حتى اليوم لم تلق إجابة من المجتمع الدولي، ومن الدول الكبرى، ومن الهيئات والمنظمات التي غاب دورها طيلة أيام الإبادة، وهذا عار سيلاحقهم، فقد كان ولا زال بوسعهم فعل الكثير لإنقاذ أرواح البشر من الموت المحدق بهم، إلا أنهم وقفوا على الحياد، وشهدوا الإبادة التي طالت كل شيء في غزة.
الأطفال والشيوخ والنساء في العراء، حيث البرد والصقيع والمطر، ولا شيء في غزة يدفئ أجسادهم، فالخيام من قماش، والأرض من طين ووحل، ولا ثياب ولا أغطية تكفي ليتدثروا بها، فالحصار من كل الجهات والقصف متواصل، وفصول العذاب تزدحم لتخطف المزيد من الأرواح البريئة، في حرب مستمرة وإبادة لم تتوقف، حيث تحولت غزة إلى هذا الجحيم الذي يعيشه الأبرياء والموت يتربص بهم.
إن الشعور بالعجز لا يساويه شعور، فكيف ونحن نرى ونسمع كل ما يحدث في غزة، من مشاهد تؤلم النفس وتوجع الروح، وفي كل يوم تتواصل فيه الإبادة تظهر مأساة جديدة، ومعاناة تضاف إلى سجل الألم والوجع الذي يتواصل تحت عين العالم، ولا تلقى نداءات الاستغاثة إلا المزيد من التهديد والوعيد، والمزيد من القهر، فموت الأطفال الرُضع بردًا وصمة عار أخرى على جبين الإنسانية الصامتة.
يموت الأطفال الرُضع في غزة بردًا، فكيف لهذه الصورة أن يقبلها العالم؟! وكيف لضميره أن يبقى ساكنًا، وأن يبقى ملتزمًا هذا الحياد الأحمق؟ فهل هناك من صورة أبشع؟ ألا يستحق الأمر تدخلاً عاجلًا يفرض وقفًا للمقتلة، ولهذا الموت المتعدد الأشكال؟.
سيلا الفصيح، عائشة القصاص، وثلاثة آخرون من الأطفال الذين ماتوا حيث تجمدت أجسادهم بردًا، وهم في الأيام الأولى من العمر، ماتوا بسبب العمى الذي أصاب ضمير العالم، وماتوا بسبب ضعف وهشاشة المواثيق الدولية في مواجهة الاحتلال الظالم.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها