كان وما زال موضوع التحريض لعبة اسرائيلية يستخدمها اليمين ضدنا فيما هو يمارس العنف على ارض الواقع، وثمة فرق بين من يمارس العنف فعلا ومن يحرض عليه قولا ان وجد فاليمين الاسرائيلي يمارسه قولا وفعلا معا. وكان الرصد الاسرائيلي للاعلام الفلسطيني يشوه التصريحات والمقالات الفلسطينية ويخرجها عن سياقها ويسوقها خاصة لدى الإدارة الاميركية وكأنها تحريض فلسطيني. وذات يوم استدعاني الرئيس ابو مازن عندما كان امين سر اللجنة التنفيذية الى مكتبه وقال ان اسرائيل تستخدم التحريض ضدنا فما ان نجلس مع مادلين اولبرايت او دينيس روس لبحث مسألة مهمة حتى يبادروننا بالقول ان "الحياة الجديدة" نشرت كذا وان فلانا كتب كذا، فقلت ان هناك قسما اسرائيليا لرصد الاعلام والتصريحات الفلسطينية ويشوه المقالات ويخرجها عن سياقها ويروجها لدى الاميركيين وكأنها تحريض ولاسامية حتى انهم استغلوا خطأ مطبعيا في شبكة الحروف المتقاطعة واعتبروه تحريضا حيث كان السؤال عن نصب تذكاري لتخليد الكارثة والبطولة اي" ياد فاشيم" فأخطأ منضد الحروف وكتب الباطل واذ بالحدث الجلل على وكالات الانباء والاذاعات فاستدعاني ابو عمار لكشف ملابسات الضجة الرهيبة فاوضحت له حقيقة الامر، وبعد التحقيق تبين انه خطأ مطبعي غير مقصود لأن الاصل كان البطولة ومع ذلك قال ابو مازن انتبهوا فلا ضرورة لمثل هذا الضجيج ضدنا بلا مبرر.
بعد ذلك بفترة قصيرة وبالتحديد في مطلع هذا القرن اتصل بي الاخ مروان كنفاني ليدعوني الى لقاء في القدس برعاية السفير الاميركي ادوارد ووكر ومشاركة مستشار شارون الصحفي اوري لوبراني وحضور صحفيين اسرائيليين لمناقشة موضوع التحريض فترددت في الذهاب الى ان اتصل بي الرئيس ابو مازن وطلب مني الذهاب لان موقفنا اقوى وذهبنا الى اللقاء وقلنا ان تحريض يوم في الاعلام وعلى ألسنة سياسيين اسرائليين يوازي تحريض سنة في الاعلام الفلسطيني ككل اي رسميا وفصائليا وان الرئاسة ووزارة الاعلام تراقب الاعلام الفلسطيني دون طلب من احد وفي النهاية تم تشكيل لجنة ثلاثية لمراقبة التحريض وقبول الشكاوى لكن اللجنة لم تجتمع ثانية ربما لانها لم تتلق شكاوى اسرائيلية بل تلقت شكاوى فلسطينية.
يوميا يثير الاسرائيليون مسألة التحريض الذي يمارسونه قولا وفعلا ويسوقونه دوليا، وكانوا في السابق يخدعون الادارة الاميركية بترجمات خاطئة عن التحريض لكن الاميركيين بعد احداث سبتمبر صاروا يرصدون الاعلام العربي ويترجمون مباشرة ولم يعودوا بحاجة الى ترجمات مزورة من اليمين الاسرائيلي. ولعل دعوة الرئيس امس الى استعداده للتعاون لوقف التحريض المتبادل هي دعوة قديمة تتجدد لكن الطرف الآخر لن يقبل بها لأن اعلامه الاستيطاني وتصريحات دعاة القتل واعداء السلام هي الاعلى في اسرائيل وهدفها اغراق العقل الاسرائيلي في غياهب العنف حتى لا يفيق ويطالب بالسلام. فوقف التحريض من الجانب الاسرائيلي يستوجب وضع كمامات على افواه اليمين وفرض الطرش والبكم على كثير منهم.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها