كنا وما زلنا في فلسطين، نعتبر الامم المتحدة عنوانا للشرعية الدولية. ودافعنا عن مكانتها ودورها، لأنها بنظر الشعوب ووفقا لمواثيقها وقوانينها وآليات عملها، تعتبر الهيئة القادرة على إنصاف وإحقاق حقوق الشعوب المظلومة والمنكوبة. رغم الادراك ان الولايات المتحدة، عملت وساهمت في إنشاء الهيئة الدولية إلى جانب البنك وصندوق النقد الدوليين مع نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 لتحقيق اغراضها في السيطرة على العالم. ومع المعرفة المسبقة، ان العولمة الاميركية استباحت في العقود الاخيرة الرموز الايجابية للمنظمة الاممية وسعت لاخصائها وتجريدها من كل ملمح إيجابي ترضية لحليفتها الاستراتيجية، دولة إسرائيل المارقة والخارجة على القانون.

لن تثنينا الاخطاء والعيوب، التي يقع القائمون فيها على المنظمة الاممية الاولى في العالم عن الموقف الايجابي تجاهها، كما لن تؤثر فينا الخلفيات، التي دفعت الولايات المتحدة لتأسيس منظمة الامم المتحدة. لأن قوانينها ومعاهداتها والمنظمات المنبثقة عنها تخدم كفاح شعوب العالم قاطبة وخاصة الشعوب الواقعة تحت الاحتلال، ولعلنا الشعب الاخير في العالم، الذي ما زال يرزح تحت الاحتلال الاسرائيلي.

غير ان تمسكنا بالامم المتحدة كعنوان للشرعية الدولية، لا يعني التغاضي عن اخطائها واخطاء القائمين عليها. وسنرفع الصوت لتسليط الضوء على تلك الاخطاء والعيوب، التي تتنافى مع قوانينها وقراراتها، وتشكل ناظما ومعيارا للعلاقة بين الشعوب، وتحمي مصالح الدول والشعوب المنكوبة بالاحتلال كما الشعب الفلسطيني.

قبل ايام رفضت الامم المتحدة إقامة معرض إسرائيلي بعنوان "الصهيونية والقدس" في مقرها، كان من المفترض ان يقام يوم الاثنين الرابع من نيسان الجاري، لان المعرض يتنافى مع قرارات الشرعية الدولية، ويتضمن صورا ورموزا لا صلة لها بالصهيونية ودولة التطهير العرقي الاسرائيلية، ومنها صور ومقتنيات لاصحاب الارض الاصليين، اي الفلسطينيين العرب؛ كما ان المعرض يعرض ملصقات بشعارات تتناقض مع خيار التسوية السياسية والقرارات الاممية منذ بدء الصراع قبل سبعين عاما وحتى اليوم، مثل: القدس، موطن إسرائيل الاصلي منذ ثلاثة الاف سنة!؟

غير ان قيادة المنظمة الاممية رضخت لمنطق ممثلي إسرائيل في الامم المتحدة، حيث وجه السفير الاسرائيلي، داني دانون رسالة احتجاجية شديدة اللجهة للامين العام للامم المتحدة، بان كي مون، احتجاجا على قرار المنع، وجاء فيها: " إذا لم تعدلوا عن قراركم، فسوف نقيم المعرض في مكان آخر، ونعلن فيه رفضكم السخيف"!؟، وتابع يقول، إن حظر المعرض، هو محاولة لتقويض دولة إسرائيل، كدولة للشعب "اليهودي". وأضاف، لن نسمح للامم المتحدة بأن تلغي شعار إسرائيل" القدس عاصمة إسرائيل الابدية"!؟

وللاسف الشديد تعامت الامم المتحدة عن قوانينها وقراراتها واستجابت لخيار السفير الاسرائيلي، دانون اليميني المتطرف والمعادي لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وهو امر معيب بحق الامين العام للامم المتحدة والهيئة الدولية ككل، ويعكس تخليا من قبل القائمين على الهيئة الدولية عن قرارات الشرعية الدولية، التي رفضت وترفض الرؤية الاسرائيلية، لأنها لا تمت للحقيقة والواقع بصلة، لا لخيار حل الدولتين ولا لمنطق التاريخ، لأن فلسطين التاريخية وفي قلبها القدس بقسميها الغربي والشرقي، ارض فلسطينية منذ اربعة آلاف عام خلت. وبالتالي السماح باقامة المعرض، فيه نكوص وتراجع معيب وخطير يمس بالحقوق الوطنية الفلسطينية، الامر الذي يفرض على الامم المتحدة اولا إعادة نظر بقرارها الخاطىء؛ ثانيا الرد على السفير الاسرائيلي باللغة، التي تليق به، وتوبيخه، والعمل على عزله ثم طرده من الهيئة الدولية؛ ثالثا تذكير السفير وكل من يقف معه وخلفه بقرارات الامم المتحدة التاريخية والراهنة؛ رابعا توجيه رسالة إحتجاج فلسطينية شديدة اللهجة للامين العام للامم المتحدة ومطالبته بالغاء اقامة المعرض؛ خامسا الاعتصام امام مقرات الامم المتحدة في رام الله وغزة وفي القدس والشتات للاحتجاج على إقامة المعرض الاسرائيلي المعادي لخيار السلام.

لا يجوز ان يمر المعرض الاسرائيلي دون حملة وطنية وقومية واممية للحؤول دون إقامته، واعتذار الامين العام عن الخطأ الفادح، الذي وقع به.