بعلم الجميع في السياسة والعلاقة بين الدول والقوى والكتل والشخصيات لا ثوابت ولا قطيعة دائمة بالمقابل لا وئام دائم. تتحرك العلاقات بتحرك المعادلات السياسية والشروط المتغيرة. ومن يفترض ان هناك عداء دائم او وفاق دائم مخطىء. أضف إلى ان التجربة التاريخية أكدت بأن اجهزة امن الدول والقوى تمد خيوطها وتقيم علاقات مع خصومها واعدائها وهذا يختلف عن إستقطاب اشخاص يعملوا لصالحها مقابل مكافأة مالية او غيرها من المصالح.
وعطفا على ما تقدم، سألني صديق عن إمكانية زيارة وفد لحركة حماس للقاهرة بعد تحميل وزير الداخلية المصري، اللواء مجدي عبد الغفار فرع الاخوان في فلسطين المسؤولية عن إغتيال النائب العام، المستشار هشام بركات. قلت له، وفق ما اعلم، ان إعلان حماس عن اسماء وفدها المتجه للمحروسة، هو نوع من التكتيك الحمساوي لابعاد شبح الاتهام عنها راهنا. لا سيما وان هناك بعض المصادر العليمة ايضا، اشارت لوجود موقف رسمي مصري بوقف الاتصالات مع ممثلي حماس. رغم ان مصدر آخر، اكد نقلا عن حركة حماس، ان قيادة جهازالمخابرات المصرية، لم تكن موافقة ولا راضية عن ما صدر عن وزير الداخلية. مع ذلك كان المرء مستبعدا من حيث المبدأ زيارة الوفد بهذه السرعة. لان هناك مجموعة قضايا تخص الامن الوطني المصري تحتاج لاجابات.
غير ان الزيارة حصلت، وباتت جزءا من الحقائق الدامغة. وعند الاستفسار من بعض المصادر المتابعة عن المفاجأة بتوقيت الزيارة، والمتناقضة مع المعلومات المتوفرة لديها، كان الجواب مبهم وملتبس. لكن عند التدقيق في المعطيات الراهنة، يلحظ المراقب، ان اسباب الزيارة تتمثل في: اولا إستعداد حركة حماس لتقديم تنازلات مقابل تجسير العلاقة مع الشقيقة الكبرى، منها، الاستعداد لفك العلاقة مع جماعة الاخوان المسلمين في مصر على الاقل؛ تقديم معلومات عن الجماعات التكفيرية في غزة وشمال سيناء؛ التعهد بعدم التورط في اية أعمال ضد الامن الوطني المصري؛ منع او المساعدة في منع تهريب السلاح والاموال للمجموعات التكفيرية من البحر او الانفاق، التي مازالت تعمل، المساومة بشأن المتورطين في عمليات ارهابية ضد الامن الوطني المصري؛ ثانيا تغيير التكتيك المصري إرتباطا بالتغير النسبي في المعادلة الاقليمية؛ ثالثا محاولة إبعاد حركة حماس عن تركيا وقطر وبالتالي إسرائيل، عبر إيجاد منافذ ومخارج بديلة لها؛ رابعا السعي لاخراج حماس من مواصلة التورط في سوريا او ليبيا او اليمن او غيرها من الجبهات إن امكن؛ خامسا الحفاظ على دور مصر كراعي لعملية المصالحة الفلسطينية، وطمأنة قيادة حماس، ان المصالحة الوطنية لن تكون على حسابها بل بالشراكة معها. لا سيما وان القيادة المصرية لا تريد ولا ترغب بدخول اية اطراف عربية او اقليمية على خط المصالحة الفلسطينية، وهو ما اكدته القيادة الشرعية الف مرة.
لكن هل زيارة حركة حماس، تعني إنقلابا في الموقف المصري من القيادة الفلسطينية الشرعية؟ ام انها جاءت بهذة السرعة لاعتبارات خاصة؟ من المؤكد، الزيارة لم تحدث ولن تحمل اي تغيير في الموقف الرسمي المصري من القيادة الشرعية. بل ان القيادة المصرية تؤكد بشكل دائم حرصها على دور ومكانة الرئيس محمود عباس وحكومته الشرعية ومنظمة التحرير. ولن تمس الموقف المبدئي المصري من نواظم المصالحة، ولا تنتقص من القيادة الشرعية. كما ان موقف القيادة الفلسطينية كان إيجابيا من الزيارة. واعتبرتها خطوة تخدم الامن القومي المصري والفلسطيني والعربي.
رغم المفاجأة في التوقيت، إلآ ان اي مراقب يملك حدا أدنى من الف باء السياسية، لايعتبر حدوثها امراً مستغربا او حدثا غير مشروع او انها خارجة عن المألوف. ومصر المحروسة لها كامل الحق في رسم سياساتها وفق ما تمليه عليها حساباتها ومصالحها الوطنية. لكن من غير الواقعي الذهاب بعيدا في الآمال والاستنتاجات غير الواقعية للزيارة، وعلى الجميع الانتظار بعض الوقت لقراءة التطورات. مع ان المرء يحدوه الامل والرغبة بأن تزيل الزيارة كل عوامل التعطيل والافتراق بين الشقيقة الكبرى وحركة حماس، لان ذلك يصب في المصالح الوطنية والقومية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها