هبة القدس، هبة الاجيال الفلسطينية الجديدة، التي حاول نتنياهو وحلفاؤه في الحكومة الإسرائيلية ومعارضوه خارج الحكومة ان يستهينوا بها، ويعتبرونها فشة خلق سريعة وسطحية، تواصل الصعود في شهرها الخامس ويرتفع فيها عدد الشهداء والمصابين والمعتقلين الى احجام عالية، وهي في صعودها العظيم تثبت انه لا بديل عن انهاء الإحتلال وان الاحتلال ما دام موجودا فهو ينتج نفسه بكل الاشكال الارهابية والقذرة واللاشرعية التي نراها في حياتنا يوميا ابتداء من الرصاص الحي ضد الحجر، وموجات الاستيطان وسرقة الارض ونهب الممتلكات، ومواصلة الاعدامات الميدانية دون الحد الادنى من التبرير، ورعاية المجموعات الارهابية اليهودية التي تمارس اعمال قذرة مطابقة لأعمال وجرائم النازية وبقية المسلسل الإحتلالي الذي لا يمكن التعايش معه.

طبعا إسرائيل بقيادة نتنياهو تقرأ الواقع العربي والدولي قراءة خاصة مفادها ان الفلسطينيين ليس لهم مكان وليس لهم شيء وأن وجودهم مهدد ومرهون بالطريقة الإسرائيلية لتفسير الاشياء.

والغريب في الأمر ان كثيرا من الفلسطينيين يحاولون التشويش على هبة الأقصى وعلى شجاعة وعبقرية الأجيال الفلسطينية الجديدة من خلال الادعاء ان هذه الهبة ليست كافية وانهم يريدون انتفاضة نموذجية على اعتبار انهم هم وحدهم خبراء الانتفاضات، وهناك فريق آخر يريد احتلالا مثاليا جميلا يلتزم بالقوانين الدولية وبحقوق الإنسان، مع ان الاطفال الصغار في بلادنا يعرفون ان الاحتلال هو الاحتلال، هو الكهف الذي تنطلق منه كل الشرور، الاحتلال هو احط انواع اللاشرعية، الاحتلال هو العدو الأول لعموم الشعب لانه يستهدف القضاء التام على حقوق هذا الشعب وحياته ومستقبله، وان مجرد تخيل ان يكون هناك احتلال لطيف وحضاري ودمه خفيف ولا يرتكب كل الخطايا هو تصور ساذج بل ان هذه السذاجة تصل الى حد المشبوهية الوطنية.

ولذلك نرى ان الذين يتحركون في صحوات مفاجئة نحو المصالحة لا تهمهم النتائج بقدر ما تهمهم الاجتماعات وكثرة الثرثرة عن هذه الاجتماعات، ونرى ايضا ان بعض الناس ينسون قرابة المئة والثمانين من شهداء الهبة ولا يتحركون الا لمواضيع هامشية مثل الاعتقال الاداري ومآسي الاعتقال الاداري مع انهم يعرفون ان الشعب الفلسطيني كله في قطاع غزة والضفة والقدس هو شعب قيد الاعتقال الاداري والسياسي والاحتلالي وانه من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب لا يرى شعبنا سوى الحواجز والبوابات والجدران والاجتياحات والعقوبات على مدار اليوم والساعة والدقيقة والاولى ان يكون النضال ضد وجود الاحتلال، وضد استمرار الاحتلال، وضد التعايش مع الاحتلال، لأن الاحتلال حين يبقى موجودا فانه لا ينتج سوى المآسي والظلم والقهر والإذلال الكبير.