حملت مبادرة "وفاق" التي طرحتها يوم أول أمس الخميس 19 كانون الأول/ديسمبر الحالي بشأن الفلتان الأمني وفوضى السلاح في محافظات الشمال عمومًا ومخيم جنين خصوصًا العديد من النقاط الملتبسة والمبهمة، في محاولة من الموقعين عليها من عشرات منظمات الـ NGOs وعدد من فصائل منظمة التحرير، في أعقاب سعي الأجهزة الأمنية لإعادة الاعتبار للنظام والقانون، ووأد الفتنة المتفاقمة هناك نتاج قيام مجموعات خارجة على القانون باسم "المقاومة" بسرقة سيارات بعض الأجهزة والوزارات الفلسطينية الرسمية، ورفع أعلام "داعش" والجماعات التكفيرية، وهتف العديد من عناصرها بحياة زعيم دولة ولاية الفقيه، علي خامئني، وزرعوا العبوات الناسفة ووضعوا الألغام في شوارع المخيم، وما زالوا حتى اللحظة يعيثون فسادًا وانتهاكًا لحرمة وكرامة المواطنين وفرض الخوات وسرقة المحال وإطلاق الرصاص والقذائف على المؤسسات الأمنية والبلدية والمحاكم والمقاطعة وغيرها من الانتهاكات الخطيرة، التي تهدد السلم الأهلي، ووحدة النظام السياسي، وتقديم الذرائع لدولة الإبادة الجماعية الإسرائيلية لارتكاب المزيد من جرائم الحرب وتوسيع دوامة الإبادة على الضفة الفلسطينية، والتي تضاعفت خلال الأيام القليلة الماضية، تعميقًا للإبادة الجماعية في قطاع غزة المتواصلة لليوم 442، التي أودت بحياة أكثر من 45 ألف شهيد، وما يفوق الـ 107 ألف جريح، والتدمير غير المسبوق الحاصل في القطاع.
مما لا شك فيه، أن هدف المبادرة في العموم ركز على وقف الفتنة، وقطع الطريق على القوى المتربصة بالنظام السياسي والسلم الأهلي. رغم أن مبادرة القوى والمنظمات جاءت متأخرة. ومع ذلك أقول، أن تأتي متأخرًا خير من أن لا تأتي.
واستوقفتني بعض النقاط السلبية التي خلطت الأوراق، منها: النقطة الأولى، سحب القوات الأمنية الفلسطينية من محيط المخيم، بالتزامن مع وقف المظاهر المسلحة. والسؤال لماذا يجب سحب القوات الأمنية؟ وإلى أن يتم سحبها؟ وهل يبقى المخيم مزرعة للمجموعات المنفلتة من القانون والنظام؟ ولماذا أُسست وأقيمت الأجهزة الأمنية؟ أليس لحماية الشعب والنظام والقانون، وصيانة السلم الأهلي؟ ومن يضمن وقف المظاهر المسلحة؟ وما هي الأسس التي سيتم على أساسها وقف المظاهر المسلحة؟ وهل تكون تلك المجموعات ندًا للمؤسسة الأمنية؟.
ثم تدعو المبادرة إلى إطلاق حوار وطني يجمع كافة المؤسسات والفعاليات والقوى السياسية لوضع خطة شاملة للخروج من الأزمة الحالية، وصياغة ميثاق وطني يضمن عدم تكرار الأحداث في جنين وباقي المحافظات. والسؤال هنا، لماذا وضعت المؤسسات والفعاليات قبل القوى السياسية؟ هل الفعاليات، والمقصود هنا منظمات الـ NGOs تستطيع أن تضبط الفلتان الأمني؟ وما هي أدواتها لكبح جماح فوضى السلاح؟ ولماذا لم تفعل ذلك سابقًا لوقف أعمال التخريب والعبث؟ وهل باتت تلك المؤسسات الممثلة للشعب وسابقة على قوى منظمة التحرير؟ وهل تلك المجموعات مدفوعة الأجر مستعدة للالتزام بالنظام والقانون وتسليم أسلحتها لأجهزة الأمن الفلسطينية، والتقيد بالضوابط الوطنية؟ وأين هي القوى الموقعة من مسؤولياتها الوطنية؟ لماذا لم تتحرك؟ ولماذا لم تطرح مواقفها في اجتماعات اللجنة التنفيذية واللقاءات الوطنية المشتركة؟ وهل توقف باب الحوار الوطني؟ أم المطلوب تعويم تلك المجموعات، كما حصل في غزة عشية الانقلاب الأسود عام 2007؟.
وعن التزام الأجهزة الأمنية بتطبيق القانون وفق قواعد القبض والتوقيف واحترام كرامة المواطن، هل خرجت تلك الأجهزة عن النظام وقواعده، وتعدت على حرمة المواطن؟ وإذا حدثت بعض الأخطاء هنا أو هناك، ألم تكن تلك الأجهزة ملتزمة عمومًا بقواعد النظام في التوقيف في معظم عملياتها لمواجهة الفلتان؟ ألم تحاول مرات عدة تلك الأجهزة في تدوير الزوايا، وفتح أبواب الحوار مع أعضاء العديد من المجموعات لحمايتها من سلوكياتها الخاطئة والمسيئة لوحدة الشعب، وحتى أكثر من ذلك، عندما عملت على احتضان العديد من أنصارها في مقراتها وأجهزتها؟.
وعن الحق في المقاومة، هل هناك شخص ما وطني ضد المقاومة؟ من هو الجاهل الذي يقف ضد المقاومة؟ ولكن عن أي مقاومة تتحدث المبادرة؟ وما هي معاييرها؟ وهل ما يجري من قبل تلك المجموعات العبثية والمنفلتة من القانون يعتبر "مقاومة"؟ وأين البرنامج الوطني الناظم للمقاومة؟ أم أن "المقاومة" المطروحة في المبادرة وفقًا لقانون الفوضى والفلتان "كل حارة مين له"؟ وهل يتعارض برنامج منظمة التحرير الفلسطينية مع الحق في المقاومة لدولة الاستعمار والنازية الإسرائيلية؟ ألم يضمن البرنامج حق المقاومة للجميع، ولكن ضمن الرؤية والبرنامج الوطني الجامع والمقر في المجالس الوطنية؟ ومن هو الممول والمسلح لتلك الجماعات الفوضوية؟ وهل هدفها وطني، أم يخضع لأجندة نظام الملالي وبعض القوى التي انقلبت على الشرعية الوطنية، وما زالت ترفض العودة لجادة الوحدة الوطنية، وأقصد حركة حماس تحديدًا؟ وألم تعلن الأجهزة الأمنية قبل أيام عن نتائج التحقيق في استشهاد أحد المواطنين بالخطأ، واعترفت بمسؤوليتها عن الحادث، وتبنت الشاب المغدور شهيدًا؟.
للأسف الشديد جاءت مبادرة "وفاق" للفعاليات والمؤسسات والقوى السياسية، وفق النص المتضمن فيها، حمالة أوجه، وخلطت الغث بالسمين، وبقدر ما حملت من بعض الإيجابيات، إلا أنها بذات القدر وأكثر حملت الأخطاء والخطايا، لأنه ذات الخطاب الذي ساهم من حيث تدري أو لا تدري تلك القوى والفعاليات لما حصل عشية الانقلاب الحمساوي على الشرعية الوطنية، حيث تم برعاية اللواء برهان حماد (مصر) عام 2007 التوقيع على 13 اتفاق لردم الهوة، وتجسير العلاقة للحؤول دون الانقلاب، لكن خيار حركة حماس كان واضحًا، ومضت في تكريس انقلابها، الذي ما زال حتى يوم الدنيا هذا جاثمًا على صدر الشعب، وحمل ما حمل من فظائع وأهوال ما بعد الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وباعتراف العديد من قيادات حركة حماس نفسها عشية ذكرى انطلاقتها الـ37 قبل أيام قليلة.
بالنتيجة أرجو من القوى الوطنية الموقعة على المبادرة مراجعة ذاتها، وقراءة مدققة جديدة لها، لإعادة نظر في تجاوز الخلط الوارد فيها لحماية البيت الفلسطينية، وقطع الطريق على الانتهاكات الخطيرة للمجموعات المنفلتة من عقال القانون والنظام، إن كانت جادة في تصليب وتعزيز روح الوحدة الوطنية وحماية السلم الأهلي، وقطع الطريق على العدو الصهيو أميركي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها