يدرك نتنياهو أنه حقق أهدافه بتدمير بنية قطاع غزة فضلاً عن إزهاق أرواح عشرات آلاف الفلسطينيين وجرح واعتقال الآلاف، كما يدرك تقويض قدرات حركة حماس وردعها وفرض وقائع احتلالية على أرض غزة.
كذلك يدرك نتنياهو أيضًا رغبة حركة حماس الجامحة في البقاء بالحكم على أنقاض القطاع المكلوم والمثخن بالجراح، حيث يرزح بين حدي سيف الاحتلال الذي يقتل ويجوع مواطنيه بلا رحمة وبين ارتهان حماس لهم بالأمر الواقع.
كما يعي نتنياهو خطورة عودة السلطة الفلسطينية لتولي زمام الحكم في القطاع وتداعيات ما يترتب على ذلك من استحقاق سياسي يضعه أمام مسار قانوني يحول دون استمرار احتلاله لقطاع غزة باعتبار أنه يصبح بذلك دولة تحتل دولة أخرى إذا ما صار القطاع تحت السيادة الفلسطينية، مما يدفع باتجاه إعادة إحياء مسار العملية السياسية وفق حل الدولتين الذي رفضه ويرفضه نتنياهو وحكومته التي تسعى لإقامة الدولة اليهودية ذات القومية الواحدة.
هذا ما يعطي نتنياهو الاستمرار في شراء الوقت وكسب ما تبقى من أيام لولاية بايدن المنتهية لفرض مزيد من الوقائع وابتزاز حماس وجرها لصفقة مجانية كما يريد تحت حاجتها للبقاء حتى في ظل الاحتلال بشرط سلامة رؤوس قادتها على أمل رحيل الاحتلال فيما بعد، وبالتالي يخرج من بين فكي كماشة الضغطين الإسرائيلي الداخلي والدولي الخارجي بخاصة ضغط ترامب صاحب الولاية الأميركية الجديدة، إذ يسعى لمنحه هدية تلك الصفقة آملاً في أن يطلق له اليد لضم الضفة الغربية.
أمام ذلك تأبى حماس أن تتنازل عن حكم قطاع غزة وتسليمه للسلطة الفلسطينية صاحبة الولاية القانونية على الأرض الفلسطينية بما فيها القطاع، وتعطي نتنياهو ورقة رابحة لاستمرار احتلاله للقطاع لاستبعاده السلطة الفلسطينية الهدف الأساس لنتنياهو والخشية القانونية التي تحول دون تحقيق أهدافه الجيواستراتيجية.
ومن جهة أخرى فإن نتنياهو لم يمنح حركة حماس شرط إنهاء الحرب أو وقفها مستقبلاً كي لا يقع في حبائل سابع من أكتوبر آخر، دون أن يقضي كليًا على حماس ويفتح بابًا لمرور السطلة الفلسطينية التي ترفض هذا الأسلوب وتأبى إلا أن تمر إلى قطاع غزة عبر البوابة الدولية كصاحبة حق قانوني لا يمن عليها فيه نتنياهو.
تبقى الكلمة الفصل في ذلك هي المرحلة المقبلة أي التي تلي المرحلة الأولى من الصفقة المفترضة وما تحمله من تفاصيل وإحداثيات وصولاً لليوم التالي من الحرب، حيث يكون قد تسلم ترامب مفاتيح البيت الأبيض في ظل اختلاط الأوراق وارتباك الإقليم وتوتر العالم وما ينتظره على مائدة البيت الأبيض من ملفات ساخنة شديدة الحساسية.
ذلك يوجب على حماس التقاط اللحظة وتفويت الفرصة على نتنياهو ونزع الذرائع من يده منعًا لتحقيق أهدافه العدوانية وتسليم مفاتيح قطاع غزة فورًا للسلطة الفلسطينية التي بدورها يجب أن تستمر في سعيها من خلال الإطار العربي وفق ما قررته العرب في قمة الرياض وما واكب ذلك من قبل ومن بعد من حراك عربي وفلسطيني نحو المجتمع الدولي لإنهاء الحرب والاحتلال بأشكاله كلها؛ لعلها تدرك ما لا يدركه نتنياهو.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها