لا حديث إلا حديث الهبة أو الاشتباك الشعب أو الانتفاضة التي تواصل عبورها في شهرها الثاني، لأن هذه الهبة كانت أن تبدأ في الاول من اكتوبر تشرين الأول تراكم الوعي بمعطياتها الموضوعية، انسداد الأفق السياسي بالكامل، بأن اميركا الراعي الرئيسي والوصي لعملية السلام التي بدأت قبل اكثر من اثنين وعشرين عاما أعلنت انسحابها الفعلي من عملية السلام على لسان رئيسها باراك اوباما، وهو قال قبل أيام ان العام 2016، وهو عامه الأخير في البيت لن يشهد اي اختراق جديد في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، إذًا الامر متروك لمن يسكن البيت الابيض بعد اوباما، وعلمتنا التجربة مع اميركا ان "الرايح" من البيت الابيض لا يقلل في العادة من "فضائح" الانحياز لاسرائيل والإغداق عليها سواء كان ديمقراطيا أو جمهوريا بل يسعى عادة ان لا يترك حرابه في حالة ثأرية مع اسرائيل واللوبي اليهودي، والمطلوب أن لا نصاب بصدمة أو خيبة امل، بل المطلوب ان نبحث بعمق وذكاء شديد واستنهاض عالي المستوى عن استثمار الرصيد الذي حققناه كي نضمن البقاء، والقدرة على الفعل المفيد، والحضور الذي سيكون ذخيرتنا للمرحلة القادمة.

لان جمود عملية السلام في الشرق الأوسط يأتي ويتواصل عبر رهانات ومعطيات قاسية كثيرة, من بينها استمرار الغياب العربي، وفي العادة حين يكون العرب لأسباب ذاتية وموضوعية في حالة ضعف وغياب، فانهم في العادة لا يجدون ما يفعلونه سوى الانقلاب على الشقيق الفلسطيني، الشقيق الاصغر الذي يحتاج الى عصيهم ومساندتهم وليس نصائحهم المتناقضة ولا رغبتهم في تبكية هذا الشقيق الفلسطيني وتشليحه كل حصل عليه بالدماء والشهداء! وأعتقد ان هبة القدس العبقرية فيها شيء من التحذير لبعض الأشقاء العرب وهذا التحذير يقول: قد نعذركم اذا لم تكونوا قادرين على مساعدتنا، ولكن لن نعذركم مطلقا اذا تطاولتم علينا.

ومعروف ان كل اشتباك جذري لنا مع الاسرائيليين لا بد وان يحمل في طياته مثل هذه الرسائل الموجهة الى اشقائنا العرب.

حديث هبة القدس المستمرة عبورا في شهرها الثاني، يطرح اسئلة وفرضيات واستنتاجات في الوضع الداخلي ايضا، فقد كان الانقسام قائما منذ اكثر من ثماني سنوات، واصحاب الانقسام كانوا على وهم بأنهم سيأخذون الواقع الفلسطيني الى متاهات قاتلة مثل وهم الدولة في غزة ووهم توسيعها في سيناء، وهو الرهان الذي اسقط الإخوان المسلمين واخرجهم من نسيج شعبهم المصري، وبدلا من ان يذهب التراكم الفلسطيني في هذا الاتجاه، فان الشعب الفلسطيني انتج هذه الهبة الملهمة! وهذا معناه ان الشعب الفلسطيني اكثر وعيا وجذرية من ان يعود الى نقطة الصفر او ان يذهب الى المقامرة والرهان الأسوأ، بل هو انتج هذه الهبة بهذا النوع المبدع والمفاجئ من الاشتباك مع العدو الرئيسي وهو الاحتلال الاسرائيلي، وطبيعي ان كل اشتباك مع الاحتلال ينتج ايضا رسائل نوعية الى الآخرين.

الموقف الفلسطيني بالإجمال جيد جدا، انه يفتح الطريق امام عبقرية البقاء والفعل والحضور، ويفتح المدى واسعا لا يغريه احد بما لا يحب ولا يكسر ظهره احد بأحمال زائدة.