هي أقدم أشكال المسرح الهزلي الفلسطيني، فهي مُؤَرَّخَة ضمن تراثيات القرن الثامن عشر في منطقة القدس، حيث تم إضافة مشهد مسرحي للأعراس والموالد. ومن أهم المشاهد شهرة لعبة القاضي حيث كان يحفظها السواد الأعظم من الناس لما تمثله من النقد للحكم العثماني وسوء إدارته للبلاد، بل كان الناس يتنافسون ليلعبوا دور البطولة بالمسرحية هاتفين يا لَعيبة يا خَريبة. ورغم أن لعبة القاضي مسرحية عنيفة بل عنيفة جدا في ذلك الوقت إلا أنها تنتهي بجواء فرح سلمية.

في البداية يتم إختيار الشخصيات الرئيسية وهم القاضي وحاجبه وابنه وأيضاً المختار المحلي، وهو الشخصية الوحيدة التي تمثل العرب بالحكم بين الشعب وأحياناً على الشعب. ثم يتم اختيار شخصيات تمثل عسكر القاضي وشخصيات تمثل أصحاب المظالم من الشعب. يبدأ الحاجب بمناداة أصحاب المظالم ويطلب منهم أن يسألوا القاضي ما يريدون وتبدأ الحوارية بتلقائية على شكل التالي:

فيتقدم الشاكي الأول حاملا حذاؤه بيده ويقرأ منه شكواه فيقول: يا سيدنا ابن عمي رمى حجر ع داري وكسر الشباك وما بِدُهْ يِدْفَعْ حَقُهْ، ويقول القاضي: وين ابن عمه؟ فيلتفت الحاجب ويقول: إنه يمازح ابنك خلفك؟ ثم يهمس ابن القاضي بأذن أبيه: يابا هذا زلمة كْوَيّْسْ ودفع المعلوم، ثم يقترب الحاجب ويَهْمس في أذن القاضي: كمان الحمار الثاني دفع المعلوم، فيقول القاضي: أمان يا ربي أمان، هذا الحجر من أرض مين أخذته، فيقول ابن عم الشاكي: من أرض خالي، فيقول القاضي: إذن خالك لازم يْرَكِّبْ شباك جديد لابن عمك وكمان يُكْنِّسْ باب بيتك رفعنا الأقلام وصار فرمان.

ثم يأتي الشاكي الثاني حاملاً قطعة قماش رثة ( خَمّْةْ) ويقرأ منها شكواه فيقول: يا سيدنا عندي ديك ما بنام إلا عند الحمامات، فلا جاجاتي بِتْبِيضْ ولا الحمامات بِتْجِيبْ زغاليل، بس مرتي بِتْقولْ قَدَمُهْ خير علينا إيش أعمل يا قاضينا؟ فيقف القاضي ويسأل الحاجب وابنه هذا الحمار دفع؟ فيقولا: لم يدفع، ثم يسأل المختار دفع؟ فيقول: لم يدفع لا معلوم ولا هو مظلوم. فيقول القاضي: أنت ولد مو تمام ومرتك صار لازم تعيش تحت المختار والحمامات يوخذن الحاجب والجاجات لابني وأنت يبقى الديك ينام معك؟

وتتالى الشكاوي والضحكات من الجمهور بينما يقوم العسكر بالتنفيذ الفوري لفرامانات القاضي، ثم يعلن المختار وقت الصلاة، وحتى تحل البركة فلابد أن يكون القاضي الإمام، لكنه يتمنع ويقول للمختار: أنا لا أحفظ القرآن!!  فيقول المختار: أنت قف وأنا أقرأ عنك. فيأمر القاضي بفرش السجادات لكنه يقف باتجاه معاكس للقِبْلَةْ ثم يبدأ بتغيير اتجاهه وعساكره تتبعه في أي اتجاه رغم علمها باتجاه القِبْلَةْ، وفي النهاية يُقَبّل المختار يده ويقول له: طنيب على الله هيك اتجاه القِبْلَةْ.

بعد الصلاة يعود القاضي لمكانه ثم يسأل هل من شكوى أخيرة؟ هنا يظهر أبوالزُلُفْ ويقول للقاضي: أنا لا كاتب شكوى ولا عمري بنساها، يا قاضي جيشكم الانكشاري أخذ أرضي وداري وهاي حقي وحق وأولادي. فيقول الحاجب: عرب سيس هذا الجيش اللي بحميك، لازم تعطيه وتفديه. ويقول المختار: هذا واحد فراري لا هو مِنَّا ولا إحْنا مِثْلُهْ. ويقول ابن القاضي: هذه أرض تركية وإنتوا فيها خدم وعبيد. ثم يقول القاضي: فرمان بحق اللي بِتْعَدى ع أسياده لازم تِمْشي ع إيديك وإجريك وتْناهِكْ مثل الحمار ولا بْتُقْعُدْ عالخازوق العثماني خَيّْرْتَكْ فَأخْتارْ؟

فيقول أبوالزُلُفْ يا حيف ع اللي بِفَرّْطْ بأرضه ويا حيف ع اللي ما ينصر الحق، هذا قاضي ظالم وأنا بِدي أقطع راسُه، ويرفع طُورِيَتُهْ ويهجم عالقاضي، فيهجم كل الحضور مع أبوالزُلُفْ . تبدأ المعركة بالكراسي والحجارة فيقاوم العسكر قليلا ثم يهربوا تاركين القاضي في وسط المعركة، يركع المختار تحت أقدام أبوالزُلُفْ ويقول: دخيلك أنا غلطان بس بَضَلْ مِنْكُمْ وْفِيكُمْ، فَيَبْصُقْ أبوالزُلُفْ عَ صَباحْ المختار، ثم يقترب من الحاجب ويأمره أن يُقَبّل أقدام الحضور نفراً نفراً.

يضع أبوالزُلُفْ الطُورِيَةْ عَ رقبة القاضي فَيَضْرُطْ القاضي مصدراً ريحاً قاتلة، فيموت ابن القاضي اختناقاً ويتراجع أبوالزُلُفْ والحضور للوراء من شدة الريحة، فيهرب القاضي وهو يترنح ويتساقط من جيوبه الأموال والجواهر. فيبدأ الهتاف الجماعي من الحضور: قاضي ع الباطل راضي وحاجبه بالشر تابعه ومختارنا ناسينا وراضي أسياده، وزفوا أبوالزُلُفْ يا أحلى عريس وليلة ما عنا رئيس...  وزفوا أبوالزُلُفْ يا أحلى عريس وليلة ما عنا رئيس، سلطانا سيس سيس...جيشه شَرّيبَتْ حشيش...  قاضي خسيس... ومختار قاعد ع الدبابيس...وزفوا أبوالزُلُفْ يا أحلى عريس وليلة ما عنا رئيس...

ولدت لاجئا وأحيا مهاجرا

لعبة القاضي،،، خالد أبوعدنان