حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" رائدة الحركة الوطنية الفلسطينية، وعمودها الفقري، إستطاعت عبر مسيرتها النضالية خلال خمسة عقود خلت، أن تبقى على مستوى التحدي الذي يفرضه العدو الصهيوني على الشعب الفلسطيني والأمة العربية، إستناداً إلى مبادئها وأهدافها الواضحة والمحددة والتي تكرس الفكر الوطني الجامع للشعب الفلسطيني، ذا الإرتباط بالأمة العربية والإسلامية، وجزءاً لا يتجزأ من حركة التحرر العالمية ضد الإستعمار والميز العنصري، فمثلت رأس الرمح المواجه للمشروع الصهيوني، المدعوم من قبل القوى الإستعمارية، وقد مثلت مبادئ حركة "فتح" وأهدافها حصانة للمشروع الوطني الفلسطيني التحرري من الاحتلال الصهيوني لفلسطين، كما مثلت الدرع الواقي للشعب الفلسطيني وحافظت عليه من الذوبان أو التصدع والتفكك في ظل التحديات التي باتت تعصف بالمجتمعات العربية، وتهدد وحدتها الوطنية وما ينتج عنها من إنشقاقات، تصل إلى حد تفكك الدول، من هنا تبرز أهمية الفكر الوطني الذي استندت إليه حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" في نضالها الدؤوب، ومواجهة الصهيونية، هذا الفكر المتكامل مع البعد العربي والإسلامي والإنساني، فكانت ثورة فلسطين، فلسطينية الوجه، عربية العمق وعالمية الإمتداد.

واليوم وحركة "فتح" مقبلة على عقد مؤتمرها الوطني السابع في 29/11/2015م كما أقر مجلسها الثوري ولجنتها المركزية تؤكد مسيرتها النضالية صدقية فكرها، وصوابية توجهاتها المتكاملة ما بين الفكرة والأداة والأسلوب والهدف، ويقف إلى جانبها الأشقاء والأصدقاء، وتتقدم بإتجاه تحقيق أهدافها الوطنية في إنهاء الاحتلال وتحقيق الحرية والإستقلال وبناء الدولة.

وإذا كانت الضرورة الحركية والفلسطينية تحتم انعقاد المؤتمر السابع لحركة "فتح" في الموعد المعلن فإن هذه الضرورة تحتم أيضاً طرح عدد كبير من الأسئلة التي يجب على حركة "فتح" مجتمعة أن تجيب عليها من بينها مثالاً لا حصراً، لماذا ينعقد مؤتمر حركة "فتح" الآن ؟ هل لأنه مجرد إستحقاق زماني شكلي، أم لإعتبارات موضوعية تتجاوز النواحي الشكلية والدورية ؟

وإذا كتب لهذا المؤتمر أن ينعقد ما هو المطلوب منه ؟!! ومن أجل أن يحقق المطلوب منه ماذا يجب أن تكون طبيعته وماهيته وكيفية انعقاده في ظل تكالب جملة من الظروف والمتغيرات الإقليمية والدولية المعيقة داخلية وخارجية والتي حال الكثير منها دون انعقاده في وقته المحدد سابقاً، ويبقى سؤال في غاية الأهمية، إذا تم التغلب على جميع الصعاب وعقد المؤتمر العام للحركة ما المأمول منه، وما المتوقع أن يتمخض عنه من ناحية القرارات والبرنامج العام للحركة التي لا تقتصر على الجغرافيا الفلسطينية بل تمتد حيث يمتد الوجود الفلسطيني، وكذلك على مستوى إعادة صياغة الهياكل القيادية للحركة بما يتناسب والامتداد الجغرافي لها من جهة وعمرها الزمني الذي أكمل خمسة عقود شملت أجيالاً عدة ساهمت في العملية النضالية التي قادتها وتقودها حركة "فتح"، والقدرة على مواجهة تلك التحديات الداخلية والخارجية وإدارة العملية النضالية والوفاء بإستحقاقاتها في ظل جملة المتغيرات التي تشهدها المنطقة والعالم.

لذا يجب أن يكون المؤتمر الوطني السابع غير ما سبقه من مؤتمرات، على مستوى الإعداد والتحضير، والمشاركة، والإدارة، والأهداف والمخرجات بسبب جملة التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه الشعب الفلسطيني وقضيته في ظل الوضع الراهن على المستوى العربي والدولي.

ويجب أن يكون محطة ووقفة للمراجعة والتقويم، والسعي الجاد والحثيث، لإستعادة حركة "فتح" لروحها، ودورها في قيادة المشروع الوطني الفلسطيني، والتعبير عن صورتها الحقيقية، في استمرار النضال على هدي من مبادئها وأهدافها، كما رسمتها الطليعة النضالية الأولى، وعمدتها بالجد والجهد والكفاح والإستشهاد، وأن تسعى لإستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية التي باتت تئن تحت وطأة الإنقسام.

ويجب أن يكون معبراً عن أماني وتطلعات مناضلي حركة "فتح"، وقواعدها الشعبية، وأنصارها، وأماني وتطلعات شعبنا الفلسطيني في الوطن وفي الشتات، وعن أماني وتطلعات أمتنا العربية، في مواجهة الصهيونية والإستعمار، ومواصلة مسيرة النضال، كي يتمكن شعبنا من ممارسة حقه في العودة إلى وطنه وتقرير المصير، والحرية والاستقلال، وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وأن تبقي كافة الخيارات مفتوحة أمام "فتح" وأمام الشعب الفلسطيني لتحقيق هذه الأهداف والغايات.

ويجب أن يكون مؤتمر "فتح" القادم يسعى إلى تكريس وحدة حركة "فتح"، وإزالة العوالق والأدران التي تغلغلت في جسم الحركة، وشلت فاعليتها الوطنية والجماهيرية، وشوهت صورتها النضالية الوضاءة، وأن يزيدها وحدة وتلاحماً وقوة وشباباً.

ويجب أن يكون مؤتمر "فتح" هو المقدمة لإعادة الروح، والفاعلية لأطر منظمة التحرير الفلسطينية، كي تأخذ دورها المسلوب في قيادة العمل الوطني وعلى كافة المستويات، كإطار جبهوي تمثيلي، يمثل الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه السياسية، وكافة أماكن تواجده في الوطن وفي الشتات، وترسيخ الوحدة الوطنية بين كل المكونات الفلسطينية في إطار م.ت.ف.

ويجب أن يؤكد مؤتمر حركة "فتح"، أن "فتح" جوهرها هو ما زال حركة تحرر وطني، وأن مهام التحرر الوطني الفلسطيني لا زالت مستمرة وسائرة في نهج وطريق إستكمال مهامها الوطنية التحررية، وأنها ليست مجرد حركة سياسية، أو حزب سياسي، ينافس على الفوز في إدارة سلطة حكم ذاتي، تحت الإحتلال، منزوعة الصلاحيات، خاضعة لإبتزازات الإحتلال اللامتناهية ...!

لكل ذلك فإن مؤتمر "فتح" القادم محط أنظار الشعب الفلسطيني والأشقاء والأصدقاء كما الأعداء، لأنه يتوقف عليه كثير من الأمور الجوهرية والتي لم يعد الإنتظار يجدي معها، ولابد من الحسم فيها للخروج بالحالة الوطنية من حالة التسويف والإنتظار، ورد الفعل، إلى حالة الحسم والفعل، وهذا يقتضي أن تتم المكاشفة والمحاسبة السياسية والموضوعية، والنقد والتقويم لأجل تحقيق الوحدة والقدرة والتفعيل والتجديد بما تفرضه إستحقاقات المواجهة لكل تلك التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني وقضيته.