تواجه القيادة الفلسطينية تحديات إستراتيجية وتكتيكية، منها: الاحتلال الاسرائيلي وتعقيداته واخطاره الداهمة والمتواصلة، المهددة خيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام1967. ومن ضمن هذا التحدي ملف الاسرى والقدس واللاجئين والثروات الطبيعية والحدود والامن؛ والانقلاب الحمساوي منذ اواسط العام 2007، وانعكاساته الخطيرة على مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني، وتداعياته على وحدة الارض والشعب والقضية والنظام السياسي التعددي؛ بالاضافة إلى ترسيخ وتطوير مؤسسات الدولة الفلسطينية، والنهوض بالاقتصاد الوطني، وتأمين شبكة الامان المالية والدعم لموازنة الدولة الفلسطينية.
لكن التحديات المذكورة آنفا على كل ما فيها من ستنزاف لجهود وطاقات القيادة والقوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقطاعات ابناء الشعب المختلفة، يمكن بوحدة الارادة السياسية وبرنامج عمل وطني وبدعم الاشقاء والاصدقاء وانصار السلام الامميين التصدي لها.
غير ان هناك تحديا قديما جديدا، تسعى إسرائيل وقيادة الانقلاب الحمساوية تغذيته، وهو ظاهرة الفلتان الامني وفوضى السلاح في مدن وقرى ومخيمات الضفة الفلسطينية. لا سيما ان لكل طرف مصلحة في تعميق تلك الظاهرة الخطيرة لتحقيق اهدافه. فاسرائيل المستفيد الاول من اي ظاهرة تعمق الانقسام والتشظي الفلسطيني لاكثر من اعتبار: لاضعاف روح التحدي والمقاومة في اوساط الشعب الفلسطيني؛ ولإلهائه عن الكفاح التحرري، والغرق في متاهة الحسابات الشخصية والعشائرية والمناطقية؛ وللتدليل لكل القوى الدولية بأن الشعب الفلسطيني، "ليس مؤهلا" للاستقلال وبناء دولة ذات سيادة؛ وايضا لتواصل نهب ومصادرة الاراضي وبناء مئات وألاف الوحدات الاستيطانية والمستوطنات الجديدة على الاراضي المحتلة عام 67، وتعميق مشروع الترانسفير وتبديد القضية الفلسطينية.
وعلى صعيد حركة حماس، فإن مصلحتها تتمثل في: "التأكيد" على "صوابية" خيارها الانقلابي؛ وللايحاء للمواطنين الفسلطينيين عموما بـ "فشل" إدارة القيادة الشرعية للمجتمع، وضرب صفة ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب او اختطافها والسيطرة عليها، وإحلال نفسها بديلا عن الشرعية التاريخية؛ وللاساءة للمشروع والهوية الوطنية، وبالتالي لحرف دفة النضال التحرري، وتقزيم حدود وسقف الاهداف الوطنية عند حدود الحكم الاداري او الادارة المدنية او حتى الدولة ذات الحدود المؤقتة او الاكتفاء بامارة غزة الموسعة حتى العريش.
البعض قد يتساءل، هل الفلتان الامني، الذي تؤصل له كل من دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية وحركة حماس ومن لف لفهما، يمكن ان يؤدي للاخطار آنفة الذكر، الجواب: نعم، وأكثر من ذلك. ولا يجوز استصغار هذا التحدي او الاستهتار بتداعياته. لعل من يعود للخلف قليلا بذاكرته عشية الانقلاب الحمساوي الاسود في محافظات الجنوب اواسط عام 2007، فإنه يستطيع التأكد، من ان الانقلاب الاخواني في غزة، لم يكن في البداية سوى نشر فوضى السلاح، وتعميم الفلتان الامني، وضرب هيبة المؤسسة الامنية من خلال افتعال الصدام مع مراكزها، والخروج عن طاعة النظام والقانون، واخذ الحقوق الشخصية بغض النظر عن صوابيتها او عدم صوابيتها باليد وتحت حجج وذرائع واهية او إستغلال خطأ في معالجة هذا المسؤول او ذاك لحدث هنا او هناك والعمل على تضخيمه، وبث روح وفتيل الفتنة في اوساط الاتباع والانصار او ابناء الحمولة او المنطقة لتأجيج روح الصراع والفلتان. والان تعود الفتنة لتطل برأسها في محافظات الشمال، من خلال ذات الاساليب لتشيع فوضى السلاح، وتهدد النظام والقانون وهيبة الاجهزة الامنية والقيادة الشرعية على حد سواء. فهل يتعظ ابناء الشعب والقوى السياسية والمؤسسات التنفيذية من تجربة الانقلاب، ويشرعون بالتصدي للظاهرة الخطيرة، التي أخذت تتفشى في العديد من المدن والقرى والمخيمات لحماية الذات والاهداف الوطنية من التآكل.
احذروا الفلتان الامني: بقلم عمر حلمي الغول
23-05-2015
مشاهدة: 764
عمر حلمي الغول
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها