من المهم جدًا متابعة الأحداث وتطوراتها السياسية في الضفة الغربية، وخصوصًا أننا كفلسطينيين أمام معترك كبير في الواقع السياسي الناجم عن الاستيطان والاحتلال، كثر الحديث من الساسة الإسرائيليين في حكومة اليمين بقيادة نتنياهو وتحديدًا على لسان وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش، بخصوص البدء في ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل وأن عام 2025 سيكون عام الضم. يتزامن هذا الاعلان مع انتخاب الرئيس الأميركي ترامب الذي أوحى في أحاديثه بضرورة توسيع حدود إسرائيل وذلك من خلال ضم الضفة الغربية وقطاع غزة إلى حدود إسرائيل. 

يبدو أن كثيرًا من الأحداث سوف نشهدها في المشهد السياسي الفلسطيني على ضوء تلك التصريحات الإسرائيلية والأميركية إذا ما تم البدء في تنفيذ تلك السياسات والتي من الممكن أن تحدث التغيير الديموغرافي في الضفة الغربية. ومن أجل ذلك وكما هي العادة فإن الحكومة الإسرائيلية سوف تطلق العنان للمستوطنين لتنفيذ عمليات ومضايقات بحق الفلسطينين تساهم في تغيير الوضع الديموغرافي لصالح المستوطنين فيها.

القرار  الذي اتخذه يسرائيل كاتس وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد خلفًا للوزير المقال غالانت، في إنهاء ما يسمى الاعتقالات الإدارية بحق المستوطنين الذين تدور حولهم شبهات تنفيذ أعمال تثير الاضطرابات مع الفلسطينين، أو من لديهم اتجاهات لتشكيل خلايا سرية لتنفيذ عمليات تزيد من وتيرة العنف في الضفة الغربية، وبالرغم من رمزية ما سمي بالاعتقال الإداري بحق المستوطنين كون أن عدد المستوطنين الذين يخضعون للاعتقال الإداري لا يتجاوز العشر مستوطنين، ولا تتم معاقبة المرتكبين للجرائم منهم بحق الفلسطينين ولا حتى مع هذه الحكومة يتعرضون للتوبيخ، في حين يقضي في الاعتقال الإداري من الفلسطينيين أكثر من أربعة آلاف وخمسمئة أسير، إلا أن هذا الموضوع وغيره من أدوات التمكين للمستوطنين سوف يعمل على إثارة وزيادة التعديات على أبناء شعبنا وأماكن سكنهم وأعمالهم، وهذا بالطبع له آثاره السلبية على الأرض بخصوص التوسع الاستيطاني وازهاق الأرواح والتعديات على شعبنا.

وصل عدد المستوطنين في الضفة الغربية اليوم إلى ما يقارب المليون مستوطن، ولقد قام وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير والذي يعيش في مستوطنة كريات أربع، بتسليح أكثر من مئة وخمسين ألف مستوطن في الضفة الغربية وأطلق العنان لهم جميعًا بضرورة التسلح والتجول في ببنادق رشاشة بعضها من شحنات الأسلحة التي وصلت إسرائيل من المساعدات الأميركية.

على مدار العقود السابقة، أطلق الكيان الصهيوني عبر مختلف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، العنان للمستوطنين للعربدة في المناطق الفلسطينية بهدف الاستيلاء على الممتلكات الفلسطينية واحلال المستوطنين مكانهم. وظهرت عصابات ما سمي بشبان التلال، وعصابة تدفيع الثمن وآخرون نشطوا في الضفة الغربية والقدس، واستطاعوا من خلال تضيق الخناق على أبناء شعبنا مصادرة أملاكهم، والمواشي، والاستيلاء على الأرزاق في مواسم الحصاد، كما أنهم قتلوا كثيرًا من المواشي واستولوا على بعضها وسمموا الكثير منها، وقتلوا وحرقوا وقطعوا الأشجار والمحاصيل الزراعية، والبعض الآخر منهم كان أينما يضع قدمه تعتبر هذه الأرض تابعة للمستوطنات.

المستوطنون واليمين الإسرائيلي يشعرون بالغبطة والسرور حسب وسائل الإعلام العبرية فقد جاء على لسان "ايتمار بن غفير" الذي هنئ الوزير كاتس على هذا القرار. لكن بعض من جيش الاحتلال لديهم قلق من هذا القرار فقد وصف رئيس أركان الجيش السابق "أزنكوت" هذا القرار بالخطير وأنه سوف يصعد العنف في الضفة الغربية، وأن الإسرائيليين جميعًا سوف يدفعون ثمن ذلك. أما د. أحمد الطيبي فقد علق على القرار  بقوله أن هذه الحكومة تدعم إرهاب المستوطنين.

وفي اعتقادي أن الأشخاص الذين يتبوؤن مناصب عليا، في أي مكان وهم ليسوا من ذوي الخبرة والكفاءات فإن قراراتهم، لا ترتقي إلى ما هو مطلوب منهم للقيام بأدائهم وواجباتهم، وهذا واقع الوزير الإسرائيلي كاتس يهرول وراء عصابات تحدث ضجيجًا في المنطقة ولكنها لا تصنع شيئًا ذو قيمة ترفع من قيمة الأصول الثابتة في الدولة، وتعزز مكانة الحكومة وقراراتها ولا تفضي إلى نتائج تغير الرأى العام المحلي والعالمي.

نحن الفلسطينيون على موعد مع أوقات صعبة في الضفة الغربية، أمام التحديات التي تلقيها الحكومة الإسرائيلية والمدعومة من دول التحالف، في إطار الشرق الأوسط الجديد، كيف نبطل هذه التحديات؟ وكيف نعزز من صمودنا؟ سؤال كبير يجب أن يدركه الكل الفلسطيني.

لا شك أن الاستقرار والأمن مع وجود، وصعود اليمين الإسرائيلي في الحكم يسير بالاتجاه المعاكس، إن العالم سيكون أفضل بكثير من وجود هذه الشرذمة في سدة الحكم، والتي تقود الإقليم إلى التصعيد والتخبط، والعالم إلى حرب عالمية ثالثة، تكون الخارطة الجديدة للعالم جزءًا من الرماد والدمار تمامًا كما حل في لبنان وغزة.