أخيرًا وبعد ستة أشهر طوال من الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني من قبل العدو الصهيو أميركي، وبعد تردد، وتطاول وتحريض وملاحقة من قبل القيادة الإسرائيلية والإدارة الأميركية والمجلسين "الكونغرس والشيوخ"، والتلويح بعظائم الأمور في حال أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال ضد بنيامين نتنياهو، رئيس الائتلاف الحاكم في إسرائيل ووزير حربه السابق، يؤآف غالانت، التي بدؤوها باتهام المدعي العام للمحكمة، كريم خان بالتحرش الجنسي انتصر قضاة المحكمة لذاتهم وللقانون الدولي ولمعاهدة روما، وأصدروا مذكرات اعتقال بحق مرتكبي الإبادة الجماعية الإسرائيليين المذكورين آنفًا يوم أول أمس الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر الحالي.
وجاء قرار المحكمة الجنائية الدولية على خلفية مسؤوليتهم عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبها الجيش الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة. وكما هو معلوم، كانت المحكمة تلقت طلبات بهذا الشأن من المدعي العام كريم خان في 20 أيار/مايو الماضي، حيث طالب بضرورة اتخاذ إجراءات قانونية ضد المسؤولين الإسرائيليين، وكان خان قد دعا في آب/أغسطس الماضي إلى تسريع إصدار المذكرات.
وأكدت المحكمة في قرارها وجود "أسباب منطقية للاعتقاد" بأن المسؤولين الإسرائيليين أشرفا على جرائم ضد المدنيين في الفترة ما بين 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 و20 أيار/مايو، الموعد الذي قدم فيه خان طلب إصدار مذكرات الاعتقال. وأشارت المحكمة الأممية، أن قبول إسرائيل باختصاص المحكمة ليس ضروريًا لمتابعة الإجراءات القانونية ضدهم، وتتضمن جرائم الحرب الموجهة لنتنياهو وغالانت القتل والاضطهاد واستخدام التجويع سلاح حرب وغيرها من الأفعال غير الإنسانية.
ومن نتائج إصدار مذكرات الاعتقال لرئيس وزراء إسرائيل ووزير الحرب السابق، إضافة لاعتقالهم، ومحاكمتهم كمجرمي حرب، يمنع زيارتهم لـ 124 دولة موقعة على اتفاقية روما، التي يستمد منها اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وتترتب على هذه المذكرات تداعيات قانونية تهدد باعتقالهم عند دخولهم هذه الدول، وتسليم المتهمين للمحكمة لمحاكمتهم قانونيًا.
وأهمية إصدار مذكرات اعتقال المسؤولين الإسرائيليين، تتمثل في الآتي: أولاً كما ذكرت، انتصار قضاة المحكمة لذاتهم وللقانون الدولي، وتحديهم للتهديدات وأشكال التحريض والتغول كافة؛ ثانيًا انتصار لضحايا الإبادة الجماعية من أبناء الشعب العربي الفلسطيني، الذين فاق عددهم الـ 150 ألف شهيد وجريح حتى اليوم 414 من الإبادة الجماعية؛ ثالثًا لا يوجد شخص مسؤول أو دولة فوق القانون الدولي، الكل يخضع للقانون والمحاكمة في حال تم ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية؛ رابعًا تعزيز مكانة القضية الوطنية الفلسطينية على الصعيد العالمي، ودفع الدول غير المعترفة بدولة فلسطين بالاعتراف بها، والاسهام في رفع مكانة الدولة الفلسطينية كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة؛ خامسًا زيادة عزلة إسرائيل عالميًا؛ سادسًا إفساح المجال لتقديم طلبات جديدة للمحكمة الجنائية الدولية لاعتقال المزيد من المسؤولين الإسرائيليين والضباط والجنود الذين تورطوا بالوثائق المدعمة باعترافاتهم بارتكاب جرائم إبادة وحشية ضد أبناء الشعب الفلسطيني؛ سابعًا رسالة واضحة وجلية لقادة الولايات المتحدة وزعماء الدول الداعمين لإسرائيل للتوقف عن البلطجة والتطاول على القانون الدولي. لأن مصيرهم لن يكون أقل من مصير حلفائهم الإسرائيليين، كداعمين للإرهاب وخارجين على القانون الدولي؛ ثامنًا أيضًا تعتبر دعمًا لموقف المدعي العام للمحكمة كريم خان.
إذًا نحن أمام محطة قانونية جديدة ونوعية، حيث هي المرة الأولى التي تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق قيادات إسرائيلية موغلة في استباحة القانون الدولي، وتفترض في نفسها، باعتبارها فوق القانون، وأن المحاكم الدولية وجدت للتغطية على جرائم حربهم، وللتستر على عمليات القتل والإبادة والتدمير ضد الشعب الفلسطيني وغيره من الشعوب العربية، كما يجري الآن في لبنان وغيرها من الدول العربية.
وتعتبر لحظة إصدار مذكرات اعتقال القيادات الإسرائيلية من قبل محكمة الجنائية الدولية خطوة هامة، ولكنها تحتاج إلى المزيد من الخطوات الهامة من قبل المحكمة ذاتها، ومحكمة العدل الدولية، وهيئة الأمم المتحدة بمنابرها وهيئاتها الأممية المختلفة لملاحقة دولة الإبادة الجماعية الإسرائيلية لإيقاف جرائمها، وانتهاكاتها المتواصلة للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي والمعاهدات الأممية المختلفة من خلال تعميق عزلتها، وفرض العقوبات السياسية والديبلوماسية والاقتصادية والعسكرية الأمنية، واعتبارها دولة منبوذة، ونزع الشرعية الأممية عنها، حتى تعود لجادة السلام إن شاءت البقاء والتعايش مع دول وشعوب المنطقة عمومًا والشعب الفلسطيني خصوصًا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها