عاد وفد حكومة التوافق الوطني من غزة بعد اقامة جبرية مثقلة بالتهديدات،والمخاوف استمرت منذ وصوله ظهر الأحد الى فندق، « أرك ميد» على شاطئ بحر قطاع غزة الشمالي، الى أن سمح له بالمغادرة مساء يوم الاثنين ووصوله الى مدينة رام الله.
هذا المشهد المهين والعبثي لم يكن الأول، فكل وفود حكومة التوافق الوطني التي تشكلت في الثاني من حزيران الماضي بناء على اعلان أو اتفاق مخيم الشاطئ الذي جرى في الثالث والعشرين من نيسان العام الماضي، واجهت نفس الاستفزاز من قبل حركة حماس التي أعلنت منذ تشكيل الحكومة بأنها «تترك الحكومة ولكنها لا تترك الحكم» وليس هناك أبلغ من هكذا اعتراف بأن حكومة التوافق الوطني التي تم تشكيلها بموافقة حركة حماس، ارادتها حماس أو قياداتها المتنفذة أن تكون فخا وليس مخرجا على طريق المصالحة، وارادتها ابتزازا وليس صفحة جديدة.
ومعروف ان ما تعرض له وفد الحكومة الاخير الذي بقي تحت الاقامة الجبرية طيلة الساعات التي قضاها في قطاع غزة قد سبقته رسائل سلبية جدا لا يتجاهلها الا المتورطين أو المنافقين، فالزيارة سبقها اضراب لاربعة وزارات وسبقها سلسلة انفجارات وسبقها تهديدات وترتيبات باضراب شامل, وسبقها تصريحات واضحة بأن حكومة التوافق الوطني ليست بديلة عن» التفاهمات» وهذه طريقها طويل بلا نهاية وبحرها عميق بلا قرار، لأن مصطلح تفاهمات يعني الغاء صلاحيات حكومة التوافق وجعلها رهينة في أعمالها وصلاحياتها لهذا التفاهم الغامض الذي تفسره حماس على هواها !!! لدرجة أن هذا المصطلح، التفاهمات، امتد عند حماس الى الصلاحيات الدستورية للرئيس نفسه حين عين المحافظين – وهذا حقه الدستوري – بينما حماس أوقفت عمل المحافظين الخمسة في قطاع غزة بدعوى انه لم يحدث تفاهم وهي من جانبها تعتدي في كل لحظة على الدستور, « النظام الأساسي» الذي شاركت في انتخابات 2006 تحت سقفه، وهي تقر قوانين وأحكام مناقضة بالمطلق للدستور مثل تنفيذ احكام الاعدام وسن قانون يشكل مذبحة لاهل قطاع غزة مثل فرض ضرائب جديدة تحت عنوان ضريبة التكافل الاجتماعي وهي لا تملك هذه الصلاحية والى اخر المسلسل الانفصالي الشامل.
ما هو العمل ومن اين نبدأ
اعتقد أن اللعبة اصبحت مكشوفة وفادحة ايضا، ولا احد يستطيع ان يتوقع ماذا يمكن ان يحدث اذا ظل الحال على هذا المنوال، ولا استطيع أن افهم ما يشاع بان رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد الله قد يجدد الزيارة لقطاع غزة في نهاية الأسبوع القادم، هل هذا ممكن وتحت اي سقف.
والحمد لله أن الفصائل والأحزاب والقوى المدنية كانت حاضرة بوضوح وشاهدة قوية على ما تعرض له وفد الحكومة في زيارته الأخيرة، فلم تعد الامور تائهة فكل الفصائل والأحزاب والهيئات المستقلة بذلت جهودا خارقة وبالكاد نجحت في تأمين عودة وفد الحكومة سالما !!! ولا بد من تغيير قواعد اللعبة مهما كلف الامر، أما اذا انتظرنا وتوهمنا ان تصبح حماس صانعة الانقسام هي نفسها صانعة المصالحة، فهذا انتظار بلا جدوى، وارجو ان يفتح حوار واسع النطاق على قاعدة من المصارحة الشجاعة حتى لا يبقى شعبنا في قطاع غزة تحت بند الرهينة التي لا حول لها ولا قوة.