بقلم: بكر أبو بكر

الفئات التي تهاجم الرئيس أصبحت مكشوفة الأهداف واضحة المعالم، كما أصبحت محدّدة الخلفيات، وهي إذ تفترق عن بعضها البعض في قضايا معينة مما لا شك فيه، إلا أنها تتفق في قضيتين على الأقل: فهذه الجهات -وسنحدد جهتين تحديدا- تتفق على رفض المنهج والمشروع والمسار والنظام السياسي الفلسطيني، وإن نبعت جذور الرفض للأطراف من سياقات مختلفة ومنابع فكرانية متخالفة ، إلا أنها تتفق أيضا في الإطار على ضرب رأس النظام.

 أن عملية رفض السياسة أو معارضتها أو حتى معارضة صانعها من طبائع الخلاف الديمقراطي المحمود، ولكن ليكون خلافا محمودا يجب ألا يمكّن العدو من نخر عظامنا وتدمير انجازاتنا كشعب وأمة، ومما يجب أن يدعونا للتأمل والتفكّر جديا قبل أن نستلّ السكاكين ونعمل تشريحا في الجسد الحي لاسيما أن كان صاحب المشرحة هو الاسرائيلي.

 إن الرفض الاسرائيلي اليميني للسياسة الفلسطينية سواء الرسمية أوحتى المعارِضة أصبح رفضا بأسباب واضحة، لأن السياسة الفلسطينية تفضح الوجه العنصري القبيح ل(إسرائيل)أمام العالم، وهي حققت  نجاحات بلا شك ارتبطت بالمقاطعة الأوربية والاعترافات وعزل الكيان الصهيوني هذا الكيان الذي يتجه بعمق نحو التشدد والتطرف واليمين.

أما من ناحية عنصرية دينية حضارية تاريخية بحتة فإن الأصوات الاسرائيلية الملغومة بالأوهام التوراتية تحاول إخراس صوت الحق وصاحب الرواية الفلسطينية-العربية التي تناقض كليا (لكنها -أي روايتنا- تتفق مع الأبحاث والآثاريات والدراسات الحديثة) الرواية التوراتية المكذوبة والتي يحاول المتدينون من أحزاب الخرافات اليهودية تسويقها مجددا في العقل اليهودي والعالمي بل والعربي.

 ويأتي الرفض الاسرائيلي للسياسات الفلسطينية لسبب الخوف المتجلي من أصحاب الأرض في فلسطين داخل دولة الكيان في سعي اسرائيلي حثيث لرميهم خارج وطنهم أوفي البحر، وما هم ونحن إلا أصحاب الأرض الذين يعملون بدأب وليس عبر الدعاء فقط  للتشبث بها.

 أن النضال الفلسطيني في الداخل (وفي الضفة وغزة) ثباتا وصمودا ومقاومة شعبية، وبما يختص بالداخل نضيف: مطالبة بالمساواة والعدالة والديمقراطية ضد عنصرية (إسرائيل الدولة القومية لليهود) وما انبثق عنها من قوانين مسيئة للكيان ذاته-كما تقول المعارضة الإسرائيلية نفسها- هو نضال صاحب الحق أمام القادمين الجدد.

 مما يخيف الاسرائيلي إلى درجة الرعب هاجس الهجرة اليهودية المعاكسة المقترنة مع النمو السكاني (الديمغرافي) الفلسطيني المخيف المعشعش في عقل نتياهو وليبرمان وأمثالها، ما دعى نتياهو إلى رفض حل الدولتين بشكل قطعي وكما عبر بنفسه، خوفا من أن يُطرَد المستوطنون المحتلون لأرضنا من الضفة بما لا يقابله في (اسرائيل)! ما جعله يصرخ علناً أن الفلسطينيين سيعطونني دولة ثنائية القومية في (اسرائيل) وهم ينعمون بدولة فلسطينية نقية بلا مستوطنات! وكأن لا احتلال هناك ولا يحزنون.

إن كان الرفض الاسرائيلي الرسمي مفهوم الغايات والأهداف فكيف نفهم الأصوات الساخرة والمشككة والمتهمة والشتامة تلك التي تخرج من الثوب الفلسطيني لتخوض معركتها ضد الأمة وضد فلسطين بمهاجمتها للأمة العربية من جهة وبعض رموزها، ومهاجمتها للنظام السياسي الفلسطيني وعلى رأسه أبو مازن؟ وهم بالأحرى جزء منه.

 ألا يجوز لنا التشكك بالمرامي خاصة والحملة متصاعدة ومسعورة ومرتبطة بالتوقيت والإشارات بما يقوم به اليمين الصهيوني.

 قام الكاتب د. ابراهيم العربي برصد وتوثيق التصريحات الشنيعة التي تصدر من أفواه بعض التيارات خاصة في فصيل "حماس" في غزة، فلم يجد لها مثيلا حتى لدى الطرف الاسرائيلي، وهو إذ يعرضها كما هي في موقع (نقطة وأول السطر) على الشابكة (الانترنت)، فإنها تبعث على التقيوء لأنها تخرج عن نطاق الجدل العلمي أو المعارضة الواعية أوحتى أدب الحوار وأصول الحديث متحولة لسيل متّصل من الشتائم والاتهامات والسِّباب المُقذِع الذي يباري كل من شعراء الهجاء أمثال الفرزدق وجرير.

إن الشعور بالعجز أمام قوة الخصم وحجته تجعل اللغة المستخدمة هي لغة الغوغاء وأولاد الشوارع ، كما أن الشعور بضغط المصالح التي لا يستطيع الاستغناء عنها يؤدي بهذا الشخص أكان قياديا أونكِرة لأن يقدمها على البُعد الوطني لاسيما متى ما ارتبطت بغلاف أيديولوجي فكراني ينهل منه كذبا على افتراض أن مهاجمة الخصم بأي شكل كان يمثل هجوما على الكفر أوالعلمانية أو الشر المطلق حسب نظره القصير، ولا ينظر الشخص في ذاته أولاً لينقيها من الشرور قبل أن يرجم غيره بأحجار هواه ونزقة الشخصي.

أن الحملة مزدوجة الرؤوس التي أظنها تنخر عظام الأمة الموجهة ضد النظام الفلسطيني والقضية الفلسطينية والرئيس أبو مازن - الذي نتفق معه ونختلف وهذا حق الجميع – لا تأتي من فراغ، بالشكل المهين والتوقيت والنمط المتكرر الذي نلحظه، وإنما تهدف لأحداث الفراغ الذي سيشغله المهاجمون حتما وهم أيّ كانوا لا يستطيعون؟ لأن قضية فلسطين أكبر منهم جميعا، لا يحملها كتفٌ واحد مطلقا فهي قضية الجماهير كما هي قضية الأمة ، فهل نرى من ذوي اللُب والرأي السديد من يرد الباغي أم سيعيدوننا الى مرحلة (الحسم العسكري) و (اذهبوا فأنتم الطلقاء)؟