ينتقل المجرمون الآثمون الخونة، الناشطون في سيناء، الى خيارهم العنفي الانتحاري الأخير، بعد أن تأكدوا أنهم لن يفلحوا في تفكيك الدولة واشاعة الفوضى، ولن ينجحوا في اشعال حرب أهلية ولن يجدوا لهم حاضنة اجتماعية في مصر التي لم تألف في تاريخها سوى الوئام والوحدة والاستقرار. وإذ نترحم على الجنود المصريين الشهداء، الذين سقطوا وهم يحملون في قلوبهم حبهم لوطنهم واستعدادهم للذود عنه؛ نتوقف عند موقف "حماس" اللامبالي، وهي تحكم فعلياً في غزة وتعرف أن مثل هذه الجرائم تستحث فرضيات ظنيّة، وتوقعات بتواطؤ عناصر من غزة، إن تُركت في التداول، ستؤذي الشعب الفلسطيني الذي يألم لمثل هذه الأحداث مثلما يألم المصريون!
عجيب أمر قيادة "حماس" هذه. فعندما ندحض اتهامات توجه اليها بالتدخل في الشأن المصري والمساس بأمن مصر؛ نقول إن هناك فارقاً كبيراً بين منهج "السلفية الجهادية" ومنهج "الاخوان" وأن بين أصحاب المنهجين الكثير من التهاجي. لكن استنكاف الحمساويين عن إدانة مثل هذه الجرائم، وعن الإعراب عن استعدادهم للتعاون ومساعدة مصر صاحبة الأيادي البيضاء، تاريخياً، على الشعب الفلسطيني؛ من شأنه إيذاء شعبنا وقضيتنا لدى الشعب المصري الشقيق. وفي هذه الحال، ما هو السبيل الى تعيين الفارق بين ارهابيين من "السلفية الجهادية" الجاهلة والمشبوهة، وبين "حماس" الفلسطينية التي تقول إن وجهتها هي فلسطين؟!
الجنود المجندون المصريون، الذين استهدفهم التفجير الانتحاري في سيناء، هم أبناء الشعب المصري، وليسوا من الفرنجة القادمين بالسفن عبر البحر. ومن يجافي الناس يجافونه، ومن يسكت عن سفك دمهم يسكتون عن سفك دمه. فإلى أين تريد "حماس" أن تذهب بالشعب الفلسطيني المظلوم وقضيته؟!
أم إن "حماس" صدقت الثرثرات التي تؤكد أن "الإخوان" عائدون الى الحكم في مصر؟ فلو كانت هذه الثرثرات صحيحة، أليس من واجب "حماس" وهي تطرح نفسها صاحبة دور في فلسطين، أن تسأل نفسها: ألم يكن ارهاب هؤلاء الشياطين الملتحين، أحد أهم الأسباب التي أدت الى إطاحة مرسي؟ وهل يجهل المبتدئ الحمساوي في السياسة، أن الرد الطبيعي على الجرائم في سيناء، هو إدانتها بأشد العبارات، إن لم يكن عن مبدأ، وعن غيرة ومصداقية للحديث عن الألم كلما أصاب الأمة في أبنائها مكروه؛ فليكن للمقتضى السياسي الذي يوجب الحرص على مصالح الشعب الفلسطيني وعلاقاته مع الأشقاء؟
لكل مسرح للجريمة، تغطية سياسية ذميمة أو تغطية فقهية مارقة. وعلى المسرح المصري، انزلقت جماعة "الاخوان" المصرية الى جناية التغطية، ليس باستنكافها عن تأثيم الجرائم وإدانتها وحسب؛ وإنما كذلك باستمرارها في الدعوة الى مقاومة الدولة وفي محاولة كسر شوكتها. وهذه تجربة سوف تمر وتبقى دروسها وتداعياتها. وأهم هذه التداعيات اقصاء الجماعة عن الحياة العامة وعن المجتمع، مهما تبدلت الصيغ ومحاولات إعادة انتاج الصورة وامتشاق عناوين الاعتدال والوسطية. فمن يقتل الناس، يستعديهم ويجعلهم معنيين بطرده من المشهد والاقتصاص منه، وأية نتيجة غير ذلك، لشطط "الاخوان" ستخالف سنن التاريخ. فالارهابيون المشبوهون الآثمون، يريدون لمصر أن تئن من الألم وتستجدي الإغاثة وتخضع. فالدين والسياسة، يحُضان "اخوان" مصر على إدانة هذه الكبائر لا السكوت عنها والدعوة الى الفوضى واسقاط الدولة. لكن مصر ليست دولة هشة لكي يكون مصيرها الانكسار. إنها ستواجه التحدي وتنتصر. و"حماس" التي تتوهم انها امبراطورية ابن ماء السماء العصية على الاندثار، عليها ولمصلحتها أن تستفيق وأن تقرأ التاريخ وتتعلم منه!