مساء الثلاثاء الماضي كان الناس في قطاع غزة ينظرونالى الساعات في أيديهم بترقب شديد، متى يحين الوقت؟ لكي يتم الاعلان عن التهدئة، التيقيل اسرائيليا انها حتى لو أعلنت التاسعة أو العاشرة فانها ستدخل حيز التنفيذ في منتصفالليل!!! ولكن الليل انتصف بالفعل، وانقضت قبله الساعة التاسعة والساعة العاشرة ولمتعلن التهدئة، بل الذي تم الاعلان عنه من قبل مراسلي وكالات الأنباء والاذاعات والفضائياتالمحلية والعربية والدولية، هو المزيد من جنون القصف الاسرائيلي بالقذائف الكبيرة الحجمالتي تلقيها طائرات f 16،والطائرات دون طيار، وقذائف الزوارق الحربية، وقذائف المدفعية والدبابات، وتدمير أهدافكبيرة ابتداء من مجمع الادارات الأمنية المدنية في أبو خضرة وصولا الى مجمع الكرامةللادارات الأمنية المدنية في رفح، مرورا بمئات من الأهداف الأخرى بما فيها قصف جسرينرئيسيين في وسط القطاع أقيما على وادي غزة، أحدهما بمحاذاة البحر والثاني بالقرب منمنطقة المغراقة، وبقية الأهداف التي تشمل القطاع بأكمله، وهكذا بدأت أرقام الغاراتتتزايد ومعها يقفز عدد الشهداء والبيوت المهدومة.

لماذا لم تحدث الهدنة، لأن المسافة بين الطرفين الفلسطينيوالاسرائيلي في رؤية الهدنة كانت متباعدة جدا بحيث لم يفلح الشقيق المصري في التقريببينهما، لأن الشريك المصري نفسه يستخدم نفس الأداة القديمة وهي الوساطة، ولكنه يريدأن يعلن عنها كما لو أنها ليست سوى دعم للجانب الفلسطيني الذي يتعرض للعدوان في غزة،بينما الجانب الاسرائيلي الذي افتعل هذه الحرب أصلا قبل تسعة أيام، يريد أن يحقق منورائها عدة أهداف دفعة واحدة، من بينها مضاعفة الضغط على الرئيس أبو مازن حتى لا يمضيقدما نحو تصويت الجمعية العامة، ومن بينها أن هذه الحرب دخلت عنصرا رئيسيا في الحملةالانتخابية التي تجري في اسرائيل استعدادا لانتخابات مطلع العام المقبل، كما أن هذهالحرب يراد من ورائها على المستوى الاسرائيلي والأميركي أيضا أهداف فنية عسكرية تتعلقبالقبة الحديدية الاسرائيلية الصاروخية المضادة للصواريخ الفلسطينية القصيرة المدى،حيث توجد في اسرائيل أطقم فنية أميركية تحاول أن تتلافى أوجه النقص والقصور في هذهالقبة الحديدية.

الموضوع اذا يتعقد، والموضوع داخل فيه أطراف غير الطرفينالمتحاربين وهما الجانب الفلسطيني والجانب الاسرائيلي، فهناك الجانب المصري الذي تريداسرائيل اقحامه بشكل رئيسي في هذه الحرب وتداعياتها ونتائجها، وهناك الجانب التركيالذي تطلب ضمانته لوقف هذه الحرب، وهناك الجانب الأميركي الذي كلما تعلق الأمر باسرائيلفانه يفقد موضوعيته وحياديته، ويتحول الى أعلى درجات الانحياز المطروح، ثم هناك اسرائيلالتي تجري الانتخابات المبكرة قبل موعدها بسنة، ويخاف أطراف هذه الانتخابات من أن تكونالنتائج سلبية، وبعضهم مهدد اذا فشل بالخروج من اللعبة السياسية كلها، مثل بنياميننتنياهو وحليفه الاضطراري أفيغدور ليبرمان، وكذلك بقية الأطراف وخاصة تلك التي تقففي صف المعارضة ومن أبرزها الجنرال شاؤول موفاز وزير الحرب الاسرائيلي الأسبق.

وسط هذا التداخل والتناقض الذي يمارس بأعلى درجات العنف،استطاع الشعب الفلسطيني على المستوى الشعبي في غزة وفي الضفة وفي كل مواقع الشتات أنيرسل عن نفسه رسالة ايجابية وهي أنه شعب واحد في أحسن الظروف وفي أحلك الظروف، وأنهذه الوحدة تتعزز أكثر وأكثر أمام المحن والتحديات، وأن هذه الوحدة هي الضمانة الحقيقيةقبل أي شيء آخر!!! كما أكدت أداة المقاومة من كافة الاتجاهات أنها موحدة فعلا في الميدان،وأن صوتها هو الأعلى، وأن صوتها هو الأكثر تعاطفا من قبل جماهير الشعب الفلسطيني!!!وهكذا ظهرت المصالحة الفلسطينية كما لو أنها الرافعة التي يحتاجها جميع الأطراف فيهذه المعركة حامية الوطيس!!! بمعنى أن السلطة التي رأت شعبها الفلسطيني وحفزته أيضافي الضفة وقطاع غزة والقدس ليكون أكثر التحاما مع نفسه وأكثر تضامنا مع نفسه، أنه شعبيجسد المصالحة في أجمل صورها، وبالتالي فان هناك فرصة لقطبي الانقسام المستمر منذ أكثرمن خمس سنوات وهما فتح وحماس مع بقية الكل الوطني لديهما فرصة بغطاء شعبي كبير، وبغطاءمن هذا الدفاع البطولي عن النفس وعن المشروع الوطني، بأن يتخطيا الحاجز النفسي، وحاجزالمشاكل المتراكمة، وأن يذهبا الى خطوات المصالحة بدءا بتشكيل حكومة الوحدة الوطنيةالتي يكون الرئيس أبو مازن على رأسها بصفته رأس الشرعية الفلسطينية، وأن تمضي هذه الخطواتقدما الى الأمام بعد ذلك لاجراء بقية المنظومة المطلوبة من انتخابات وغيرها!!! وهكذاالحال مع الشقيقة مصر التي تستطيع أن تقفز فوق جميع الفخاخ المنصوبة في الطريق حينتساهم بجدية في انجاز المصالحة الفلسطينية، لان المصالحة الفلسطينية هي الرد الحاسمعلى خطط اسرائيل الرامية الى التخلص من قطاع غزة باخراجه من مساره ومصيره الفلسطينيودفعه الى مشاريع شبه مجنونة ومستحيلة!!! فحين تحافظ القضية على وحدتها شعبا وأرضاوقيادة ومؤسسات، فان كل هذا العدوان الاسرائيلي الجامح يصبح بلا أفق وبلا قيمة علىالاطلاق.

في هذه الأيام الصعبة، وتحت هذا العدوان الغاشم، وأمامهذه الأوهام الاسرائيلية الدموية، فان شعبنا بجهده المقاوم العظيم سواء بما يمتلكهمن سلاح أو بما يمتلكه من ارادة، قد رسم لنفسه صورة عالية المستوى جدا، تليق به، وتليقبمشروعه الوطني، وتليق بأهدافه العادلة وعلى رأسها حقه باقامة دولته المستقلة وعاصمتهاالقدس الشريف.