بقلم: رهف خالد

تحت وطأة آلة الحرب الإسرائيلية، ووسط ظروف غير صحية، تعيش النساء الحوامل واللواتي يلدن في غزة، حياتهن وحياة أطفالهن الرضع في خطر داهم، الأمر الذي يُعدّ انتهاكاً صارخاً لحقوق النساء والأطفال.

تقول جنين البحيصي "27عاماً" التي تزوجت في خيام رفح: إنها "عاشت أسوأ أيام حياتها حينما أنجبت طفلها الأول في الحرب، حيث عاشت ظروف حمل قاسية جداً لم يتوفر فيها الغذاء ولا الدواء اللازمين".

وتضيف: أن توفير الحفاظات الطبية الخاصة بالأطفال أصبح من الأمور المعدومة تقريباً، مشيرة إلى أنه في حال توافرها، فإنها تكون بأسعار باهظة جداً، حيث يصل سعر الكيس الواحد إلى 280 شيقلاً، ما يجعل إمكانية شرائه شبه مستحيل.

وللتغلب على هذه المشكلة، أصبحت البحيصي تضع قطعاً من القماش للرضيع بدلاً من الحفاظات، ما أدى لمضاعفات صحية خطيرة، تمثلت بحدوث تسلخات في جلده.

وتبين أن طفلها الوليد كان يحتاج إلى دواء لعلاج التسلخات، وهو أمر خطير لرضيع لم يكمل الأيام السبعة من عمره، ومع ذلك توجهت لعدد من المراكز الطبية للحصول على الدواء بالمجان، لكنها لم تجد مطلبها الذي بات مستحيلاً، مؤكدة أنها لم تفقد الأمل من إيجاد العلاج لرضيعها، لذا استعارت الدواء اللازم من فتاة كانت تسكن في الخيمة المجاورة لها.

وتشير بيانات صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء إلى وجود 160 ألف امرأة حامل في قطاع غزة، وبمعدل 180 حالة ولادة يومياً، بحيث تواجه النساء أوضاعاً مأساوية خلال فترة الحمل والولادة، حيث يعانين من صعوبة الوصول للمرافق الصحية ومتابعة الحمل بسبب نقص الخدمات الطبية والأدوية الضرورية.

وتعاني المستشفيات في غزة من نقص حاد في الإمدادات الطبية والوقود، بل إن 85 من المستشفيات والمراكز الطبية "حسب الجهاز المركزي للإحصاء"، أضحت خارج الخدمة بسبب تدميرها وتخريبها على أيدي الاحتلال، ما جعلها عاجزة عن توفير الرعاية الصحية اللازمة للأم والجنين.

وحسب منظمة كير care "الأميركية الأوروبية"، فإن عدد الولادات المبكرة لدى النساء في القطاع ارتفعت بنسبة الثلث تقريبًا؛ بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الاجهاض إلى نحو 300%، بسبب عوامل عديدة منها التوتر والصدمات، واحتمالية حدوث نزيف لدى الحوامل أو ولادة مبكرة، وبذلك يحتاج المولود إلى حاضنة أو أنه سيكون معرضاً للموت مباشرة.

وتشير ندى عياش أخصائية النساء والتوليد في مستشفى ناصر الطبي إلى افتقار المستشفيات للمواد الطبية الأساسية الواجب تواجدها (مثل المسكنات ومواد التخدير) لإجراء أبسط العمليات، بما في ذلك العمليات القيصرية، ما يعني أن عمليات الولادة تجرى وسط معاناة كبيرة.

وتضيف: "العمليات تجرى بدون بنج، أو يتم استخدام كمية قليلة منه لا تكفي لإجراء عملية جراحية كاملة للمرأة التي تلد"، منوهة إلى أن المرأة التي تجري لها عملية ولادة تستيقظ أحياناً في منتصف العملية، وتشعر بما يقوم به الأطباء، موضحًا
أن النساء يعانين من أمور صعبة للغاية، فهناك خطر الإصابة بالإلتهابات بعد العملية بسبب عدم وجود تعقيم كامل أحد المتطلبات الأساسية لإجراء عملية الولادة، وتحديداً الولادة القيصرية.

وتشير إلى ارتفاع أعداد عمليات الإجهاض بسبب الخوف والذعر الذي تتعرض له النساء الحوامل، وكذلك زيادة نسبة تشوه الأجنة بسبب إلقاء الاحتلال الإسرائيلي أطناناً من المتفجرات، والمواد السامة بما فيها الفسفور المحرم دولياً، منوهًا إلى أن استمرار الحصار على قطاع غزة وحرب الإبادة تسبب بانتشار العديد من الأمراض منها مرض الشيغيلات، والذي يعرف باسم (الإسهال الدموي)، ومن أسبابه الرئيسة عدم توافر الماء النقي والغذاء الصحي والمرافق الصحية النظيفة، ما يؤدي إلى نقل العدوى بين المواطنين.

وكان وزير الصحة ماجد أبو رمضان وجه نداء استغاثة للمجتمع العالمي بوقف العدوان على أبناء شعبنا بالقطاع، مؤكدًا أن الآلاف من المرضى والحرجى يرزحون تحت خطر كبير في ظل انهيار المنظومة الصحية، مبينًا أن المنظومة الصحية تحتاج للدعم والإسناد، مطالباً منظمة الصحة العالمية بالعمل بالتعاون مع المنظمات الدولية لإجلاء الجرحى من داخل مستشفيات القطاع، التي باتت هدفاً أساسياً لآلة الحرب الإسرائيلية.

ووسط هذا الوجع الذي لا ينتهي، تستمر نساء غزة في رحلة عذاب لا يمكن لإنسان تحملها، فهنّ معرضات أكثر من أي وقت مضى لفقدان حملهنّ، وإن أسعفهنّ القدر سيكابدن عناء عمليات ولادة تعيد الإنسان إلى معاناته في عصور غابرة، ولو قدر الله لهنّ أن يرين أطفالهنّ أحياء بعد ولادة قيصرية لا لأسباب فسيولوجية فحسب، بل لعوامل جغرافية وعرقية أيضاً، فسيصبرن على حياة جُلها شقاء، فالرضع هنا لا يبكون فقط لحظة خروجهم من أرحام أمهاتهم، بل فرض الطغاة عليهم من اليوم الأول أن يكونوا مشاريع شهادة في حرب غير عادلة، ذبح الأطفال فيها والأمهات أصبحت مشاهدة معتادة في عالم تجرد تماماً من إنسانيته.