دونالد ترامب لا يصلح، توسع كثيرا في معاركه ضد العالم، وضد القانون الدولي والإنساني، وضد الشرعية الدولية، وضد مصالح الأصدقاء والخصوم على حد سواء، ومخاوفه من الإزاحة والسقوط ليست دون أساس، وقد بدأ بنهج مستفز داخل إدارته التي لم تنه بعد نصف دورتها الأولى، بإفقاد هذه الإدارة كل من له رأي، أو رؤية أو تجربة عميقة، وملأ إدارته بمن لا يستطيعون إلا التصفيق العاجز لسياساته وقراراته ومفاجآته التي ليس فيها عمق أو فائدة أو نظرة واسعة، والتي تهدد مكانة أميركا ومصداقية أميركا والثقة التي كانت كبيرة بأميركا لكنها تتراجع إلى القرب من الصفر، ولعل أخطر حلقات الجنون والسطحية والانحياز الأعمى وفقدان المعرفة الحقيقية بالتاريخ التي نفذها دونالد ترامب كانت من نصيب القضية الفلسطينية والقيادة الشرعية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني المناضل العظيم، ابتداء من ارتباك الوعي لديه بالجذور والأساسات الحصينة لعدالة هذه القضية الفلسطينية، وجهله الذي يكاد يصبح مثيرا للسخرية بقدرة هذا الشعب على المطاولة في الصراع، والصمود الأسطوري، والشجاعة في دفع الثمن مهما كان عاليا، وكل ذلك عبر خطايا لا تغتفر ارتكبها ترامب منذ إعلان القدس، ومنذ نقل سفارته "البؤرة الاستيطانية" لتكون بمستوى ديفيد فريدمان، ثم سقطته المجلجلة بقرار محاربة "الاونروا"، وقطع الالتزامات المالية كافة لضرب حقوق اللاجئين بل وإنكار وجودهم، وكأن اللاجئين ليسوا حقيقة كبرى موجودين على امتداد المنافي القريبة والبعيدة، وكأنهم ليسوا سوى فكرة بلهاء وغبية من أفكار ترامب يشطبها متى يشاء. نحن في أوج المعركة، وأعضاء إدارة ترامب الذين اختارهم ليبدو وسطهم الشخص الوحيد ذو الأفكار الغريبة مثل صهره جارد كوشنر ومثل مستشاره غرينبلات، وبقية معاونيه الذين لقوا خيبات كبيرة في الملفات الأخرى التي فتحها ولم يتمكن من إغلاق أي منها، سواء ما يختص بالملف النووي الإيراني، وهو اتفاق دولي ليس فقط أميركيا، أو الحرب التجارية مع أوروبا والصين ومناطق أخرى، أو ملف العلاقات مع كوريا الشمالية أو تركيا شريكته المهمة في الناتو أو غير ذلك.

الاستنتاج البسيط أن ترامب يتجاهل العالم ومصالحه ورؤاه بل انه يتجاوز الخطوط الحمراء حتى داخل أميركا نفسها.

هناك إشارات كثيرة إلى أن القوى والمؤسسات في أميركا ليست جميعها راضية عن السلوك السطحي المتهور لهذا الرئيس الأرعن الذي همه الأول عرض توقيعه أمام الكاميرات مهما كانت نتائجه كارثية وليس أي شيء آخر، ويكاد يكون سقوطه أمام نتنياهو يصبح كارثة حقيقية، والإشارات تتزايد حول الرفض الأميركي لذلك، لأن الشعب الأميركي مهما كانت خصوصيات حياته الداخلية فإنه لا يقبل هذه الأضرار ولا المهانات التي تلحق به.

وسط هذه المعركة الطاحنة بعناوينها الباردة التي يكاد كل العالم يقف فيها مع القيادة الشرعية وشعبها الذي هو معها في وحدة عظيمة، فإن حماس تقف متهمة على المكشوف بأنها تروج الان للتهدئة بالشروط الإسرائيلية قبل المصالحة، وأنها تصغر وتصغر إلى حد أنها تعرض نفسها على الصغير غرينبلات لتكون أداة ضد شعبها، أين ستصل حدود الوهم، ليس للوهم حدود سوى الفشل والعار.