مازال مجلس الامن الدولي يراوح في ذات المكان، ولم يرق لمستوى المسؤولية الدولية المناطة به لوقف حرب إسرائيل المسعورة على الشعب الفلسطيني وخاصة في محافظات الجنوب. لان جلساته المخصصة لمناقشة التطورات الدامية في قطاع غزة، لم تأخذ اي قرار ملزم لوقف الحرب الاسرائيلية الدامية، وبقيت دعوات مبتورة وشكلية.
القيادة الفلسطينية بالاتفاق مع المندوب العربي في مجلس الامن، المملكة الاردنية الهاشمية والمجموعة العربية، اعدت مشروع قرار للطرح على مجلس الامن، لكن في ضوء تقدم مصر بمبادرة تهدئة بالاتفاق مع القيادة المصرية، تم الاتفاق على تأجيل طرح مشروع القرار العربي.
بالمقابل الدول الاوروبية الثلاث: المانيا وبريطانيا وفرنسا، بلورت مشروع قرار من خمس نقاط، لم تطرحه حتى الان للمصادقة عليه.
لكن مشكلة القرار الاوروبي تكمن في: اولا لا ينسجم مع المبادة المصرية؛ لا بل جاء ليقطع الطريق عليها؛ ثانيا حتى لم يتم التنسيق مع القيادة المصرية؛ ثالثا جاء مشروع القرار للتساوق مع دولة العدوان والاحتلال الاسرائيلية؛ رابعا لم يأخذ المصالح الفلسطينية بعين الاعتبار، لان جل نقاطه الخمس، ركزت على نزع سلاح المقاومة. وربطت بين نزع السلاح ورفع الحصار، والدول الاوروبية تعلم ان موضوع نزع السلاح مرتبط ببلوغ التسوية السياسية وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967.
كما ان اوروبا مجتمعة تعلم ان اي اتفاق هدنة لا يمكن له النجاح دون وجود مصر، ومباركتها، لانها ممر اجباري لاي اتفاق ايا كان اسم وموقع الدولة او الدول المقترحة اتفاق الهدنة.
اضف الى ذلك انه لا يوجد قيمة لاي مشروع قرار لوقف الحرب على ابناء الشعب العربي الفلسطيني، إن لم يتم التنسيق مع القيادة ووفدها الموحد، المعني بمتابعة الملف وقف نزيف الدم والدفاع عن المطالب الفلسطينية. وبالتالي فإن مشروع القرار الاوروبي، حتى لو طرح وحاز على مصادقة مجلس الامن، فإن مصيره الفشل، اولا؛ ومعناه اعطاء إسرائيل الضوء الاخضر لمواصلة حربها على محافظات الجنوب الفلسطينية، ثانيا؛ كما انه يقطع الطريق على اي تسوية سياسية في المستقبل القريب، ثالثا؛ ويعمق مناخ الازمة في المنطقة عموما وعلى المسار الفلسطيني الاسرائيلي، ويدفع الامور دفعا نحو المربع صفر، وهذا ليس في صالح السلم الاقليمي او الدولي، رابعا؛ اما عن مشروع القرار العربي، فان المرء يعتقد، ان مصيره الاصطدام مع الفيتو الاميركي مهما كانت صيغته مرنة وواقعية. لان دولة الحرب والتطهير العرقية الاسرائيلية، ترفض الاصغاء لاية توجهات سياسية تدعو للتهدئة، وتوقف نزيف الدم الفلسطيني، وتهيئ المناخ لتقدم عملية السلام. وبالتالي الولايات المتحدة، التي سيصل وزير خارجيتها خلال الايام المقبلة للمنطقة، لن تحيد عن الرؤية الاسرائيلية، الامر الذي يعني ان اي مشروع قرار في مجلس الامن لا يتوافق مع الرؤية الاسرائيلية، لا يمكن ان يمر. وهو ما يعني ان المنبر الاممي الاول في الامم المتحدة، ما زال مكبل اليدين، وغير قادر على القيام بمهامه الاممية. كما انه اسير نظرية ومنطق الكيل بمكيالين.
اذا الرهان على تحمل مجلس الامن لمسؤولياته تجاه الشعب العربي الفلسطيني ومصالحه، وتجاه عملية السلام وخيار حل الدولتين، سيكون رهانا خاسرا ارتباطا بما تقدم. وهو ما يفرض على القيادة الفلسطينية والعرب وانصار السلام في العالم البحث عن منابر دولية مؤثرة لدعم المبادرة المصرية ووقف نزيف الدم واستباحة دم الاطفال والنساء والشيوخ.