مجلة القدس- حوار: منال خميس
كانت مصادر واسعة الاطلاع قد أكَّدت للـ"قدس"، حتى اللحظات الأخيرة من هذه المقابلة التي أُجريت يوم الخميس 29/5/2014، أن الرئيس محمود عباس "أبو مازن" استدعى خلال تلك الأثناء رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد لله إلى مقر المقاطعة برام الله، ليُسلِّمه كتاب تكليفه بتشكيل حكومة الوفاق الوطني، والتباحث حول الحكومة القادمة وصلاحياتها.
وفي حين كان من المتوقَّع أن يتم الإعلان، في هذا اليوم، عن تشكيل الحكومة التي تأجَّلت لعدة أيام لحل بعض نِقَاط الخلاف، رصدَت "القدس"، عبر مصادرها الخاصة، بعض العقبات التي حالَت دون ذلك.
كشفَ مصدر فلسطيني مسؤول للـ"قدس" أن العقبات تتمثَّل حتى الآن في ثلاث قضايا، الأولى: تسمية وزير الخارجية، حيثُ رفضَت حركة حماس تسمية د.رياض المالكي فيما أصر الرئيس محمود عباس عليه، ثمَّ عادت حماس لتُبديَ مرونة في النهاية تجاه إمكانية قبوله، والثانية، وهي الأعقد، قيام الرئيس عباس بطرح إلغاء وزارة الأسرى من التشكيل الحكومي وتحويلها لهيئة، وهو ما رفضته حماس كليًا، أمَّا العقبة الثالثة فتتمثّل بعدم قبول الدكتور رامي الحمد الله بتوَلّي حقيبة الداخلية، إلا أن الرئيس يحاول بكل السُبُل الضغط عليه كي يوافق، علمًا أن المباحثات حول حكومة التوافق التي ستضع حداً للانقسام الفلسطيني، لا تزال جارية، وللرئيس الحق الكامل في اختيار الأسماء خاصة أن وفدَي حماس وفتح اتفقا على ترك مجموعة من الوزارات ليختار الرئيس أبو مازن وحده من يتولَّاها.
وللحديث عن حمّى انتظار الحكومة المقُبِلة، ومهامها وصلاحياتها والمتوقَّع منها والمرحلة التالية لها، التقت "القدس" عضو المجلس الثوري لحركة "فتح"، مسؤول الرقابة الحركية في قطاع غزة، الأخ محمد جودة النحال "أبو جودة".
• كيف تقرأ حركة "فتح" المستجِدات على الساحة الفلسطينية فيما يتعلَّق بتشكيل حكومة التوافق؟
كُلنا نعرف أن الرئيس محمود عباس، وبصفته رئيساً للشعب الفلسطيني بأكمله، كان حريصاً جداً على الخروج بالفلسطينيين من مأزق الانقسام، وتوحيد الضفة الغربية وغزة، للتفرُّغ لمواجهة الاحتلال الذي استغل فترة هذه السنوات الصعبة من الانقسام وزاد من عملياته في تهويد القدس، والاستيطان، والقتل، والتدمير ضد أبناء شعبنا الفلسطيني. ومنذ أن أصدَر فخامة الرئيس "أبو مازن" قراره للأخ عزام الأحمد بمباشرة التفاوض مع حركة حماس وإنهاء هذا الملف، كان للأخ الأحمد عدة زيارات مكوكية إلى قطاع غزة، وقَّع خلالها وفدا منظمة التحرير الفلسطينية وحركة "حماس" اتفاقًا، في الـ23 من نيسان الماضي، ينهي حالة الانقسام الداخلي التي استمرَت سبع سنوات، واتفقا على وضع الجداول الزمنية لتطبيق اتفاقيات المصالحة الوطنية، وعقَدَ الأخ الأحمد اجتماعات مع حركة حماس لتشكيل حكومة التوافق الوطني، وتداولوا بكل الأسماء المطروحة، وتقريبًا تم الوفاق على بنك أسماء، عاد به الأخ عزام من أجل أن يتباحث مع الرئيس، على أن يكون هناك إعلان للحكومة من قِبَل السيد الرئيس من رام الله، وقد بلَغَنا أن هناك بعض الخلافات حول بعض الأسماء، لذا نأمل أن يتم تجاوزها بمشهد إعلان ولادة حكومة فلسطينية، علمًا أن هذه الحكومة، والكل يعلم، لا تتبَع للفصائل، بل هي حكومة مستقلين، وستكون أمامها مهام محددة، وكذلك مدة محددة سقفها 6 أشهر تقريبًا، ومن الممكن أن تمتَدَّ لـ9 أشهر أو عام إذا اقتضت الحاجة ولكن ليس أكثر، وسيكون على رأس أولوياتها رفع الحصار عن قطاع غزة، وإعادة إعمار ما دمَّره العدوانان الإسرائيليان عليه، إضافةً إلى التحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني الفلسطيني، فالكل يعلم أن الشعب الفلسطيني هو مصدر السلطات ويجب أن يقول كلمته في الانتخابات.
وإلى جانب ذلك، فهذه الحكومة أمامها تحديات كبيرة، والكثير من المشكلات منها ما له علاقة بالرأي العام كمشاكل مفرَّغي العام 2005، ومَنْ تم َقطعُ رواتبهم بتقارير كيدية من أبناء حركة "فتح"، وموضوع رواتب شهداء العدوانين الإسرائيليَين الأخيرين على غزة، الذي حُلَّ هذا الشهر ونأمل أن يكون له مخصّصات في بداية الشهر القادم، ولكن بالمجمل نتمنّى ألا يكون هناك مزيد من التأخير في إعلان الحكومة، لأننا نؤكّد أنه بإعلان الحكومة سيتم الإعلان عن إنهاء حالة الانقسام. فنحن نريد أن نجسِّد الهوية الفلسطينية والدولة الفلسطينية على الأرض، وباستمرار الانقسام لا يمكن أن يتم تجسيد الدولة الفلسطينية على الأرض، ولكن بوحدة الحال الفلسطيني يمكننا ذلك، لأن الوطن يتَّسع للجميع، والكل يمكنه العمل معًا من أجل فلسطين وليس من أجل أي مصالح حزبية ضيقة هنا أو هناك.
• ما تعليقكم على القلق الذي يساور الموظفين المدنيين والعسكريين التابعين للسلطة والذين استنكفوا عن العمل بقرار رئاسي بعد الانقلاب في قطاع غزة؟
لا يمكن أن تأتي هذه المصالحة لتمس بمصالح الموظفين الذين التزموا بالشرعية خلال السنوات الماضية، ولكن هناك حالة من الاستعجال حول هذا الموضوع.
صحيحٌ أن هناك حِراكًا في الشارع من قِبَل حماس، ونسمع أن هناك العديد من الترقيات، والدرجات لعسكر حماس، والتنقُّلات لتصحيح أوضاعهم، ولكننا نؤكِّد أن حركة حماس تهدف لإرضاء أبنائها من خلال هذه التصريحات، ونؤكّد انه حسب اتفاقية القاهرة وإعلان الدوحة، هناك تفاصيل للمصالحة منها الموضوع الوظيفي، وهناك لجنة قانونية، ولجنة مالية، ولجنة إدارية للموظفين ستدرُس كلَّ الملفات، ونحن نشدِّد على أنه لا يمكن أن يكون هناك مساسٌ بالموظَّف الذي كان مُلتزِمًا بالشرعية، وطُلِب إليه أن يستنكف عن العمل وان يجلس في بيته في ذاك الوقت، وحين نعيده إلى عمله سيعود بالتأكيد بكرامة، كذلك لا يمكننا مثلاً أن نتصور أن الطبيب الذي كان يعمل مديرًا في إحدى المستشفيات قبل الانقلاب، يمكن أن يعود الآن كنائب مدير وظّفته حماس، إذ إن هناك ترتيبًا للموظفين، وبالتالي يجب وقف حُمّى التصريحات والتجاذبات، ونؤكد أن هذا لا يساوي شيئًا لأن القرار سيتم بناءً على قواعد وأُسِس قانونية بحتة، لا على أُسس حِزبية.
ولأننا اتفقنا على أن يكون هناك "موظفون لوطن" لا "موظفين لحزب"، سيكون هناك "شرطة لوطن" وليس "شرطة لحزب"، و"أجهزة أمنية لوطن" وليس لحزب، وبالتالي فإن كلَّ من يراهن على انه يمكن أن يثبّت ما يريد الآن لا يعدو كونه يقوم بخطوة مراهِقة يتجاوز فيها كل الحدود، وأعيد وأكرر بأن اللجان التي ستُشكَّل هي التي ستحافظ على حق هؤلاء الموظفين، وكل ما سمعناه عن التقاعد القسري ووقف العلاوات غير صحيح، لذا علينا أن نثق بأننا نسعى لبناء وزارات وأجهزة لوطن ولفلسطين وليس من أجل فصيل.
أمَّا بخصوص الأجهزة الأمنية، فنحن نؤكد أن ما تم الاتفاق عليه هو إعادة ترتيب الأجهزة الأمنية وهيكَلتِها، وتم الاتفاق على أجهزة سيادية محددة، وسيكون بالصورة ضباط مصريون هم الذين سيشرفون على ترتيب هذه الأجهزة، ولكن كل ما يُثار من تجاوزات وتصريحات عن أن الموجود في الضفة سيستمر بالحكم في الضفة، ومن في غزة سيستمر بالحكم في غزة هو كلام مرفوض بالـمُطلق ولم يتم حتى طرحُه، فهو يصوِّر الوضع وكأننا نتفق على كيفية إدارة الانقسام وليس إنهاءه، لذا نؤكد أنه سيكون هناك وزير داخلية واحد، وهذا الوزير سيكون له نواب في الضفة وفي غزة يأتمرون بأمره، وعندها سيكون الامتحان الحقيقي على الأرض هو مدى التزام الجميع لدى صدور قرار هنا أو هناك. ومن لا يلتزم لا يمكن أن يبقى في مكانه، لأننا سنشهد حكومة فلسطينية واحدة برأس واحد، وزارة مالية واحدة، وخارجية واحدة، أي أن كل الوزارات واحدة، برئيس وزراء واحد، وبالتالي لا اعتقد انه ستكون هناك هيمنة من قِبَل حماس على قطاع غزة، وهذا ما يخيف المواطن الفلسطيني، فالأمور واضحة والتفاصيل الدقيقة تؤكد بأننا نستطيع حلَّ كل شيء إذا كان يجمعنا الوطن وثوابتنا الفلسطينية ولا تجمعنا المصالح الحزبية الضيقة.
• ماذا عن ملف الدم وهو الأخطر من بين كل الملفات؟
لقد شُكِّلت لجان في الضفة الغربية وغزة للعمل على هذا الملف، ولكن من الطبيعي ألا يسعها إنجاز أي شيء ضمن مهمتها قبل تشكيل الحكومة، بسبب عدد من الإشكاليات المتشابكة القائمة، والقصص المختلفة أيضًا، فهناك من استُشهِد وأهله يعرفون القاتل، وهناك من قُتِل ولم يُعرَف من قتله، وإلى جانب الشهداء الذين سقطوا في الانقلاب، لا ننسى الجرحى، ومنهم من فقد يدًا أو ساقًا، أو ساقين، علاوة على الأملاك والسيارات التي حُرِقت، والاعتداءات الكثيرة والكبيرة، وانتهاك الكثير من الحُرمات، ولكنني متأكِّد بأننا وبالتعاون مع الخيّرين من أبناء شعبنا سنتمكَّن معًا من تجاوز كل شيء، وأود هنا أن أشير إلى انه لا يُمكن أن تكون هناك مصالحة إذا قفزنا عن أي حق من حقوق الناس، لهذا علينا ألا نقفز عنها سواء أكانت حقوقًا مالية أو قانونية أو عشائرية أو غيرها، ونحن على ثقة أن هناك أبناء خيرين انتماؤهُم صادقٌ لهذا الوطن ويريدون وحدته، والأبطال هم من سيكونون أولياء هذا الدم، الذين هم حريصون أكثر من الكل الوطني على إنهاء هذا الانقسام، ونُهيب بمسؤولي اللجان الاجتماعية التي ستطوف وتلتقي كل من جُرِح، ومن انتُهِكت حُرمة بيته، وكل من دفع ثمنًا في هذا الانقسام، أن تحاول إرضاء الجميع. بالطبع نحن نعي صعوبة هذا الأمر، ولكن حتى لو تمكَّنا من تحقيق أي نسبة رضا ولو بمعدل 50%، فإن ذلك سيكون إنجازًا. كذلك نأمل أن تقترب اللجان المعنية بحرص شديد من هذا الملف، وتخاطب عقول وضمائر وقلوب الناس لتتمكَّن من الاقتراب منهم وتفهُّم الجرح الغائر في نفوسهم.
• هل حركة "فتح" مستعدة لمرحلة ما بعد المصالحة، وتشكيل الحكومة، أي مرحلة الانتخابات التشريعية والرئاسية؟
منذ اليوم الذي حصل فيه الانقلاب الأسود، بدأت حركة "فتح" بتحديث سجلها الانتخابي، وكنا نعمل بصمت خلال سنوات طويلة مدركين أن الخلاص من حالة الانقسام هذه يكون بالاحتكام لصناديق الاقتراع. لذا أؤكّد أننا في حركة "فتح" في غزة جاهزون لخوض انتخابات حرة نزيهة والنجاح والكسب فيها، ونأمل أن تعود لجنة الانتخابات، وان تفتح أبوابها للتسجيل قبل الانتخابات القادمة التي ستُحدَّد بمرسوم سيادة الرئيس محمود عباس، لأن هذا الشعب الذي ضحّى وصبر هو مصدر السلطات، وأؤكد أننا لا نريد أن تكون هناك انتخابات سلطة، بل انتخابات دولة فلسطينية، إذ لا يجوز بعد أن اعترفت بنا أكثر من 130 دولة في الأمم المتحدة "دولةً"، أن يكون هناك انتخابات لسلطة، بل ينبغي أن يكون هناك برلمان لدولة فلسطينية يستطيع أن يجسِّد الهوية والدولة، ويجب أن نراهن على أنفسنا، فما يجمعنا أكثر مما يُفرّقنا، وكل خلافاتنا نستطيع تجاوزها معًا، ونحن في "فتح" ذاهبون إلى المصالحة بعقول وقلوب مفتوحة، ففي النهاية الوطن أكبر من الجميع، ونستطيع أن نجسد الدولة الفلسطينية على الأرض إذا احتكمنا إلى مصالحنا الفلسطينية وليس إلى المصالح الفئوية الضيقة، دعونا نتفاءل، رغم الحذر، لأننا أصحاب قضية وما زلنا تحت الاحتلال.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها