خاص- مجلة القدس،

عندما اندلعت الاحتجاجاتالمعيشية في فلسطين انقسم المحللون والسياسيون والمراقبون والكتاب ما بين مؤيد وحذرومعارض، فالاحتجاجات التي اعتاد عليها الناس والعالم في فلسطين البلد الرازح تحت الاحتلاللطالما كانت موجهة ضد العدو الصهيوني ، تهدأ أحيانا وتصخب في مرات، تسير بشكل سلميأحيانا وبشكل عنيف في أحيان أخرى.

جاءت الاحتجاجاتالمطلبية لتمثل الموجة الثانية من هذه الاحتجاجات حيث كانت الأولى وذات الزخم الكبيربعد انتخابات عام 2006 وفي قطاع غزة تحديدا، والتي ووجهت بالقمع الشديد على عادة الأنظمةالسلطوية العربية، وان تميزت تلك الاحتجاجات بأنها رفض للمنطق الحمساوي من جهة وتأييدلطرف سياسي آخر تمثله حركة فتح.

أما في الاحتجاجاتلشهر 9/2012 فإن الطابع الشعبي والشبابي والفتحوي كان واضحاً جداً ما أشار له د. عزميبشارة في دراسة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الذي يرأسه في قطر، وما أشارتله دورية السياسة الخارجية الأمريكية (فورين بوليسي) وكتاب كثيرون، بحيث ظهر واضحاًأن هناك جهات عديدة وليست جهة واحدة ومطالب متعددة وليس مطلباً محدداً، وأسباباً عديدةوليس سببا واحدا، وأن كان السبب المباشر(القشة) في حصول الاضطرابات نشأ بفعل قراراتحكومة د. سلام فياض البائسة برفع الأسعار خصوصاً المحروقات.

 

ثمانيةأشياء يجب أن نعلمها

حيث ذكرت نشرة(فورين بوليسي) الأمريكية على سبيل المثال أنه: (هذه المرة لم تكن المظاهرات ضد الاحتلالالإسرائيلي، بل ضد حكومتهم - أي حكومة الفلسطينيين-، وهناك ثمانية أشياء يجب أن نعلمهاوهي:

أولا: إنه اقتصادحديث،ويواجه صعوبات كبيرة.

ثانيا: الاحتجاجاتسياسية أيضا.

 ثالثا: السلطة الفلسطينية في المرمى.

رابعا: سلام فياضفي مأزق كبير.

خامسا: محمود عباسغارق في المشاكل  أيضا وإذا كان هناك أشخاصمن فتح مشتركون في المظاهرات المناهضة لفياض فإن عباس أيضا في خطر.

سادسا: غزة وحماسآمنة الآن على الأقل.

سابعا: اللاعنفيتحول فجأة إلى عنف.

ثامنا: (انترافاضة)أي انتفاضة داخلية حيث أنه من الواضح أن هذه الانتفاضة التي من المتوقع أن تحدث ستكونداخلية ومن المستبعد أن تكون موجهة ضد (اسرائيل)

إن السياسات الاقتصاديةالمتدهورة التي اتبعتها الحكومة سواء في المجال الضريبي ورفعه، أو في مجال التهديدالضمني المستمر للموظفين في رواتبهم، أو في الشكوى الدائمة والتذمر من مطالب الموظفينوقطاعاتهم النقابية، وتسليط سيف نصف الراتب وانقطاع التمويل الخارجي تكامل مع الهدرالمالي وسوء الإنفاق الحكومي وضعف الدعم للزراعة والسياحة والصناعة، وقيود الاستثمار،وظلم اتفاقية باريس التي كلها كانت عوامل اقتصادية مباشرة أو مستترة أسهمت في الغليانالمتدرج الذي وجد في رفع الأسعار القشة التي قصمت ظهر البعير.

 

ابتعادحماس عن الميدان وبقاء التحريض

إن الجهات المشاركةفي الاحتجاجات تراوحت ما بين جهات ذات مطالب شعبية حقيقية تأذت من سياسات الحكومة الاقتصاديةوخاصة الموظفين والمزارعين وقطاع النقل العام ، وما بين الجهات المسيّسة سواء التنظيماتالفلسطينية التي تبحث عن دور ومساحة لعب سياسي أوسع، أو كادرات ناشطة ضد التنظيمات،وساخطة على الانقلاب والانقسام والانسداد السياسي ، ومجموعات من منظمات غير حكوميةلها برامج وخطط تتجاوز النظام السياسي القائم، ومجموعات أخرى من نشطاء الفصائل بمافيها حركة التحرير الوطني الفلسطيني-فتح.

لم تشارك منظمة"حماس" في الاحتجاجات بشكل مباشر، وان مارست التحريض والتعبئة المضادة الواسعةعبر كوادرها ، وعبر فضائياتها التي لا تكل ولا تمل في التحريض ضد السلطة الوطنية الفلسطينيةبالتهم المعهودة من تكفير وتخوين وتشويه، شارك فيها -أي الحملة- الكثير من قادة حماسومن الناطقين الإعلاميين المعروفين، وأي مراجعة لأي يوم من أيام الاحتجاجات أو أي أزمةحقيقية أو مفتعلة على فضائية (أو فضائيات) حماس في غزة يرى المشاهد مستوى الحقد والتحريضوصولاً للاتهام المعاقب عليه القانون من جهة ، ووصولاً للدعوة للانقلاب والقتل علىنمط ما حصل في انقلاب 2007 .

أي أن "حماس"كمشاركة فعالة في الميدان وبشكل مباشر لم يكن لها وجود، وان شارك بعض عناصرها وقادتها،أما الأمر مع حركة فتح، فهي وان لم تقرر على المستوى القيادي الأول (اللجنة المركزيةوالمجلس الثوري) المشاركة في الاحتجاجات إلا أن جلّ قياداتها أيدت الاحتجاجات بوضوحكفعل ديمقراطي، كما أيده الرئيس أبومازن، فيما أدانت التخريب.

ولكننا نلاحظ مشاركةالقيادات الوسطى بفعالية خاصة القيادات والنقابات الذين كانوا هم الشرارة الحقيقيةالتي طالبت منذ زمن بإسقاط الحكومة لأسباب مهنية و مطلبية وما طرح مثيل لها في أروقةالمجلس الثوري لحركة فتح وفي اجتماعات اللجنة المركزية.

 

المطالبفي ظل الاحتلال

أن تتخذ الاحتجاجاتسمة اقتصادية مباشرة في ظل احتلال يمسك بكل مفاصل الحياة فهذا جديد على الساحة الفلسطينية،ما لم يستسغه العديد من المراقبين مفترضين أن الهدف الأول أو الأولوية لشعب تحت الاحتلاليجب أن تظل مقارعة الاحتلال، وذلك ما  أفزعالقيادة الصهيونية التي عبرت عن خشيتها من أن "تحرف" حركة التحرير الوطنيالفلسطيني- فتح الاحتجاجات وتوجهها ضد الاحتلال فتحل أزمة السلطة الداخلية، وتعود لقيادةالشارع وتصعد من المقاومة الشعبية.

أن الاحتجاجاتالتي بدأت قوية وواسعة، ثم هدأت تدريجيا، استطاعت القيادة الفلسطينية أن تتعامل معهابرحابة وحسن إدارة مستفيدة من تجارب (الربيع العربي) فأبعدت الأجهزة الأمنية عن الشارععلى عكس ما فعلت – ومازالت تفعل- حماس منذ سيطرتها بالدم على غزة،  فامتصت الغضبة الاحتجاجية، وان إلى حين باعتقادي،وأبرزت وجها ديمقراطيا مشرقا لا يرفض التظاهر وحرية التعبير، ويدين التخريب ما سجلاحتراماً شديداً للسلطة الوطنية الفلسطينية.

 

المشاركونفي الاحتجاجات

إن الفئات المشاركة– وإن اختلفت أهدافها – وإن شاركت مباشرة أو من وراء ستار- كانت متوزعة بين الأطر الشعبيةوالنقابية كما أسلفنا هذا أولاً، وثانياً بين كوادر حركة فتح، وثالثا كوادر بعض المنظماتغير الحكومية، ورابعا من تجمعات ناشئة على الفيسبوك على نمط (6 إبريل) في مصر قابلةللنمو إحداها تمهد للاستقلال عن الأحزاب وأخرى تابعة للشعبية وثالثة مجموعة طلابيةشبيبية فتحوية واعدة .

خامساً:  فلقد شاركت التنظيمات الفلسطينية بشكل متفاوت كماقلت ولأسباب سياسية حيث رفعت شعارات ضد اتفاقية أوسلو، ولغرض إصلاح منظمة التحرير الفلسطينيةوإنهاء الانقلاب أو الانقسام، وان طغت الشعارات المطالبة بإسقاط الحكومة و د. سلامفياض على غالب الشعارات مثل تلك التي تنادي بمقاومة الاحتلال ، حق الأسرى ، والقدس.

 سادسا: حصل التحريض والتعبئة من جماعات سياسية مرتبطةبأنظمة عربية منهارة، وهي على هامشيتها إلا أنها غير معروفة الارتباطات لدى الشبابالفلسطيني الذي انضم البعض منه إليها لا سيما والفيسبوك يخترق الحدود ، وبعض هذه الجماعاتتتمسح بصورة الشهيد القائد الخالد ياسر عرفات أو أحمد ياسين أو غيرهما.

أما الطرف السابع  فكما ذكرنا أيضا كان "حماس" بما قامتبه من حرب إشاعات وتضليل وتحريض خاصة عبر منابرها الإعلامية المختلفة.

 

الأولوياتفي فلسطين

إن ترابط الاقتصاديوالسياسي في قضية الاحتجاجات في فلسطين لا فكاك منه ، فالمعابر والتجارة والماء والكهرباءوالمنتجات المحلية والضرائب والمقاصة سواء في غزة أو الضفة تخضع للاتفاقيات وتهيمنفيها الدولة العبرية التي سعت لإفقار الشعب الفلسطيني بحيث أن مستوى الدخل اليهودييرتفع أربع مرات عن دخل الفرد الفلسطيني في ظل تقارب الأسعار ما يولد اختلالا حقيقياً، وأزمات اجتماعية وأيضا ما يمثله الاختلال الجليّ في التجارة البينية مع (إسرائيل)ما دعا قيادة السلطة الوطنية على أثر الاحتجاجات أن تتراجع عن قرارات رفع الأسعار والمحروقاتعدا البنزين ، ودعاها للمطالبة بفتح اتفاقية باريس ، ودعا العديد من الاقتصاديين والسياسيينأمثال د. محمد اشتيه ومصطفى البرغوثي وقيس عبد الكريم وغيرهم لتقديم أوراق واقتراحاتاقتصادية للحل أو لتخفيف الضغوط عن المواطن أو السلطة.

إننا في تأييدناللاحتجاجات المطلبية إنما نعبر عن إمكانية أو حق أن يظهر المواطن سخطه أو نقده أو رفضهلسياسات فاسدة أو قرارات بائدة أو مسار منقطع أو تابع أو منحرف، ولكن دون تدمير أوتخريب الممتلكات من جهة، ودون أن تنحرف البوصلة التي هي أبدا نحو القدس والدولة وفيالمحصلة  حيث يجب أن يظل الاحتلال هو التناقضالرئيسي.