خاص- مجلة القدس

في 25 أيار2011 أعلن الرئيس محمود عباس خطة لمطالبة الأمم المتحدة بقبول فلسطين "دولةً عضواً"في الأمم المتحدة. وفي أيلول 2011 تقدمت منظمة التحرير الفلسطينية بطلب العضوية، ومنذذلك التاريخ حتى الآن لم يجرِ التصويت على الطلب. وكان واضحاً أن منظمة التحرير الفلسطينيةحين أعلنت خطة التوجه إلى الأمم المتحدة كانت تبعث برسالة إلى العالم أجمع تقول فيهاإن اسرائيل قبرت حل الدولتين، وأنها عملت طوال ثمانية عشرة سنة على إفشال المفاوضاتجولة بعد جولة، وها هي تدق آخر المسامير في نعش السلام بعدما بلغ عدد المستوطنين فيالضفة الغربية نحو 650 ألف مستوطن، الأمر الذي ترغب اسرائيل من خلاله في ترسيخ أمرواقع يعيق، بل يمنع، قيام دولة فلسطينية في المستقبل. غير أن مصير هذا الأمر الواقعلن يكون كما تشتهي اسرائيل؛ فإما أن تفكك اسرائيل مستوطناتها وترحل مع جيشها ومستوطنيهاخضوعاً للارادة الدولية في يوم من الأيام، أو أن، تندلع ثورة فلسطينية مسلحة ضد الاستيطانالاسرائيلي. وهذه الثورة ربما تتخذ شكل الحرب الأهلية (فلسطينيون ضد اسرائيليين)، إلاأن محتواها سيندرج في سياق التحرر الوطني.

 

بعد مرور سنة علىطلب العضوية لفلسطين في الأمم المتحدة، ها هي منظمة التحرير الفلسطينية تتابع خَطْوِهاعلى المستوى الدولي الذي خبرت موازينه وعرفت المدى الذي يمكن أن يصل إليه مسعاها السياسي.وهي حين تقبل بأن تُخفِّض توقعاتها، فإنها ترسل، مرة جديدة، رسالة إلى العالم أجمعتقول فيها إن لفلسطين مكاناً في هذا العالم، ويجب أن تحتل مكانها بجدارة، إن لم يكناليوم فغداً أو بعد غد، وأن مَن يمنع على الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره هو اسرائيلواحتلالها الأرض الفلسطينية.

 

إذاً، سيكون الطلبالفلسطيني الجديد هو "رفع مكانة فلسطين لدى الأمم المتحدة إلى دولة غير عضو بصفةمراقب". وهذه الصيغة، وإن كانت أدنى من صيغة أيلول 2011، إلا أنها تعكس إصرارمنظمة التحرير الفلسطينية على انتزاع ولو بعض حقها على المستوى الدولي، لأن الاعترافالعالمي بدولة فلسطينية هي قضية تعادل، إلى حد ما، خلاصة نضال المنظمة على الصعيد الدبلوماسي،وهي قضية وجود في الوقت نفسه، لأن اسرائيل تسعى بقوة، إلى انهاء فكرة الدولتين، وهيقضية تعادل وجود اسرائيل إلى حد كبير، وهذا ما يفسر الهجوم الاعلامي العنيف الذي شنتهاسرائيل على منظمة التحرير الفلسطينية، والذي وصل إلى أن يتهم وزير الخارجية الصهيونيأفيعدور ليبرمان الرئيس محمود عباس بممارسة الارهاب السياسي!.

 

حاول كثيرون أن"يتفلسفوا" بالقول: لماذا نذهب إلى الأمم المتحدة في سنة 2012 ما دمنا لمنتمكن من الحصول على العضوية في سنة 2011؟ وهذا التساؤل يفتقر إلى أبسط بدهيات المعرفةفي علم السياسة. فإذا كانت قيادة منظمة التحرير لم تحقق نجاحاً في انتزاع اعتراف مجلسالأمن بمكانة فلسطين كدولة كاملة العضوية في سنة 2011، فهذا لا يعني، على الاطلاق الاستكانةوالخيبة وعدم المحاولة مجدداً. ثم أن لا شيء سيخسره الفلسطينيون إذا ذهب رئيس منظمةالتحرير إلى نيويورك لتجديد المسعى القديم ولو بسقف أدنى، ولا سيما أن الطلب الفلسطينيالجديد (أو المتجدد) سيتضمن نصاً صريحاً يقول "إن فلسطين ضمن حدود 1967 وعاصمتهاالقدس تتقدم بطلب لرفع مكانتها إلى دولة غير عضو". وعبارة "دولة غير عضو"التي يرى فيها بعض الكُتّاب انتقاصاً من مكانة فلسطين، تعني، في القانون الدولي"دولة تحت الاحتلال"، الأمر الذي يعيد التأكيد أن جميع المستوطنات الاسرائيليةفي الضفة الغربية هي مؤسسات احتلالية سترحل يوماً ما مع رحيل الاحتلال، وأن القدس لنيُفرض عليها أي أمر واقع مهما فعلت بها سلطات الاحتلال، والمستقبل، في نهاية المطاف،رهين بإرادة التحرر حتى وإن كان الحاضر أسيراً لارادة المحتل.

 

بات معلوماً أنقبول فلسطين عضواً في الجمعية العامة للأمم المتحدة يحتاج اليوم إلى موافقة 129 دولةمن أصل 194 دولة، وأن عدد الدول التي تعترف بفلسطين يفوق المطلوب. لكن، ليس من المؤكدأن تصوِّت هذه الدول كلها لمصلحة الطلب الفلسطيني؛ فالضغط الأميركي المكشوف سيتكفلبامتناع بعض هذه الدول عن التصويت الذي سيؤجل، على الأرجح، إلى ما بعد الانتخابات الأميركيةالمقررة في 4/11/2012، وربما يجري التصويت في 29/11/2012، وهو "اليوم العالميللتضامن مع الشعب الفلسطيني".

 

هل يمكن أن يشهدالعالم ولادة دولة جديدة هي دولة فلسطين الحرة في حقبة ليست بعيدة؟ من الناحية المنطقية...لم لا؟ فها هي دولة جديدة انبثقت في جنوب السودان بعدما كانت سراباً قبل نحو عشرينسنة. صحيح أن السياق الذي نشأت فيه دولة جنوب السودان يختلف كلية عن السياق الذي سيؤديإلى قيام الدولة الفلسطينية الحرة والمستقلة في المستقبل، إلا أن القدرة على فرض الوجودالرمزي لفلسطين، أكان في الأمم المتحدة أو في أي مكان آخر، من شأنها أن تحوِّل هذاالوجود الرمزي اليوم إلى وجود واقعي غداً. ومَن ينتزع مكانته على الخريطة السياسيةاليوم سيتمكن من انتزاع الخريطة الجغرافية غداً.

 

غير أن المشكلةالخطيرة في منطقتنا العربية هي الفوضى الناجمة عن "الثورات العربية"؛ وهيفوضى ما برحت تغذي غياب الحلول السياسية فالمنطقة العربية كلها تشتعل، وقضية فلسطينليست على جدول أعمال أحد من الفاعلين السياسيين. ويخشى في خضم هذا الاضطراب أن تُقدماسرائيل، في مرحلة ما، وفي أحوال ملائمة لها، على الانسحاب منفردة من الضفة الغربية،وبالتحديد من نصف الضفة، وترسم وحدها خطوط المواقع الجديدة لاحتلالها باعتبارها حدوداًنهائية. وهذا الاحتمال ممكن في سياق الاستعداد لحرب ضد ايران، وفي سياق اجهاض أي قراردولي يعيد الاعتبار إلى فلسطين كبلد محتل، وله الحق في الاستقلال وتقرير المصير. ويُخشىأيضاً أن يتحول قطاع غزة إلى "جيب" يعيش على الارتباط بمصر لا بفلسطين، ويتعيشأمنياً على مراعاة خاطر المخابرات المصرية في سيناء، والمخابرات الاسرائيلية على المعابرالمعروفة. وهذه الحال، إذا تحققت، من شأنها تفكيك إرادة الاستقلال للشعب الفلسطيني،وتحطيم وحدة الشعب الفلسطيني وقضيته؛ هذه الوحدة التي كانت نبراساً لمنظمة التحريرالفلسطينية طوال نحو خمسين سنة من النضال الدؤوب في سبيل أن تستعيد فلسطين مكانها فيهذا العالم المضطرب.