كنت افترض بالخلاف السياسي وعيا لدى جميع الأطراف، فكل طرف لديه رؤية ولديه وجهة نظر ولديه ربما خطة وبرنامج، وقد يمتلك فكرانية (أيديولوجية) أو سراطية (استراتيجية) وفي الحد الادنى لديه مشروع عمل يلتف حوله المريدين والأتباع أو الأعضاء.

وكنت افترض أن في كل ذلك غني كبير عن اللجوء لثلاثية الشر المعروفة من تخوين وتكفير وشتيمة بما تتضمنه هذه الأخيرة من تعهير تحريض وتعريض واتهامات على الأرجح والأعم هي باطلة.

وكنت افترض أن خلاف أصحاب الأفكار الكبرى يعدّ خلافا نموذجيا من حيث الاحترام بين المتحاورين وعدم التعرض لشخوصهم، وإنما فقط لمواقفهم أو آرائهم ما هو سمة المتخاصمين الذين يحترمون أنفسهم وفكرهم وآرائهم، وبالتالي لا يحتاجون لعصا التهديد والوعيد أو خطابات (البابا أوربان الثاني) صاحب الحملة الصليبية الأولى.

اعتدنا كل صباح على خبر أن نحوقل عند قراءة الشتائم والتحريض والاتهامات التي تصدر من بعض ناطقي حماس في غزة أو بعض قادتهم ، وهم إذ يستسهلون الثلاثية المذكورة فان الطعن بالآخرين أصبح عمود رئيسي من أعمدة خطاب الضعف لديهم.

قرأت على أحد المواقع مجموعة من مصطلحات الشتم والطعن 'المبتكرة' عدد من فضائيي حماس ودون أن نذكر اسماءهم فهي منشورة على الشابكة (الانترنت) ، حيث طالت الرئيس من هذه الشتائم الكثير، والتي منها انه لا يمثل الفلسطينيين وهذا مكرر، آما انه (وهمي) أو (مغامر) أو (سارق) أو (هلامي) فهذه مصطلحات جديدة ومضحكة في آن واحد.

إذ أن 'فن ابتكار' المصطلحات بقصد الشتيمة تقنية ابن الشارع الموجوع أو المنفلت أومحدود القدرة على التواصل (الإمعة كما أسماه الرسول الكريم، أو همجٌ رَعاعٌ اتباعُ كُلِ ناعقٍ يميلون مع كُل ريح كما قال فيهم علي بن أبي طالب) وهي لصيغة بأسافل القوم من الهامشيين أو اللامنتمين، ولا تصح لمن يعتبرون أنفسهم قادة للشعب أو سياسيين.

وقبل أن نقرأ هذه المصطلحات فلقد شبه أحد القادة في حماس-غزة ما يقوله الرئيس انه (كراهة) في لفظة معيبة ولا تليق برجل كبير في السن من حماس الذي قال وكرر هذا المصطلح تعبيرا عن حقد دفين هو ملازم لمن يقصون مخالفيهم فكريا، وفكرانيا (أيديولوجيا) ثم ميدانيا بالقتل.

أما عبارات (الإفلاس السياسي) و (التخبط)، وان على الرئيس (في آخر حياته) في غمز لا يليق حيث ان الاعمار بيد الله لا بيد مشير المصري، وأصحاب (الدائرة المفرغة) و(المربع الصهيوني) ولا ادري ما العلاقة هنا بين الاشكال الهندسية أي الدائرة والمربع ،فهل الفراغ يملؤه أصحاب المربع اما ان المربع هو دائري مفرغ، أم ماذا؟!.

ويضيف نفس الشخص في نفس اللقاء على فضائية الفتنة لحماس كومة من المصطلحات المعيبة، ولا يفوته بالطبع أن ينشر التحريض بالخروج والثورة ضد السلطة ميدانيا لأنه (يجب أن تهتز الأرض) تحت من يقوم بالتسوية كما قال، مرددا كالعادة أيضا مصطلحات السلطة (المعزولة) والتي (توهم) الشعب وإنها (مصيبة) وأنها (تقمع) المسيرات، وأنها تعيش حالة (الضياع) ، و (الاستفراد) بحيث انك لو أزلت هذه الكلمات الحادة والشتائم لما بقي مما قاله المذكور شيئا مذكورا.

انه من العيب الشديد أن يكون النقد أو الخلاف منصبا على ذات الشخوص ، ومن العيب واللاأخلاق أن يكون الاستهداف للذات والشخصية، لا للآراء أو المواقف. فالآراء والمواقف وخاصة السياسية تتغير، فلا تجعل نفسك عدوا لخصمك (إلا إن عاديته في ظل الخطاب الاقصائي الاستعلائي المقدس) لأنك يوما ما ستكون معه وتنظّر له وتمدحه على مواقف أخرى ... فأين تصبح عندما تشتمه، وتعهّر به وتحرض عليه شخصيا ، وصدق في ذلك المعلم الأكبر القائد الفذ خالد الحسن عندما قال لا تشتم الشخص وانتقد الموقف فالمواقف السياسية متغيرة ، والسياسيون لا ينسون.