هل بإمكان السياسة أن تتجاوز الأيديولوجيا؟ أظن أنه في هذة الأيام بإمكاننا الإجابة بنعم، ذلك انه كان من شأن أختفاء المنظومة الاشتراكية من الخريطة الكونية أن اختفت أيضا الأحزاب التي كانت تعلي من شأن الأيديولوجيا في رسم سياساتها وسياسات الدول التي حكمتها، وبات نموذج الأحزاب البراغماتية التي حكمت دول الغرب هو النموذج السائد في الحياة العامة لكل دول العالم تقريبا .في الحالة الفلسطينية حتى في ذلك الوقت الذي مضى، تبوأت حركة فتح، ربما لأنها كانت اقل تشبثا بالأيديولوجيا النظرية الفكرية من شقيقاتها، تنظيمات اليسار مثلا، المكانة المتقدمة في حركة التحرر، وقادت تلك الحركة عدة عقود، ثم نافستها حركة حماس على تلك المكانة، لأنها أيضا كانت أكثر أنفتاحا على الواقع المتغير والمتحرك الذي هو من يشهد التغيير دون 'قسر' نظري او تزمت فكري، كما هو حال أو شأن حركات أسلامية سلفية أو غيرها.ملخص القول: هو أنه وبصرف النظر عن الموقف الشخصي من هذه الحركة السياسية أو تلك، فإن قراءة الواقع لابد ان تخضع لمعايير موضوعية حيادية الى حد كبير , تحترم أرادة الناس، ومن يعمل في حقل السياسة بالذات عليه الآن أن يحدد مواقفه وفق تطلعات البشر، ووفق ما هو متوقع في الواقع والمستقبل القريب .حتى الأهداف الوطنية بعيدة أو قريبة المدى، لابد ان تتم إعادة رسمها، وفق متغيرات الواقع، ولابد من الإقلاع عن مواقف 'الإخلاص' والثبات على الموقف، ومعاندة الواقع بدافع الإصرار على تنفيذ تلك الأهداف المرسومة منذ عقود .شئنا أم أبينا، فإن الخارطة السياسية الداخلية الفلسطينية الآن ترتكز على 'ثنائية فتح وحماس'، لذا فإن نجاح الفلسطينيين في الإبقاء أولا على وحدتهم وثانيا على قدرتهم على تحقيق اهدافهم لابد لها من الانطلاق من هذه الثنائية في كل الأحوال، وفي كل الأوقات.وأذا كانت 'م ت ف' قد حافظت طوال الوقت على مسافة ما بين الأنظمة والشعوب , او القوى السياسية التي تنتمي للشعوب العربية، وإن كان بتعثر ، كان يظهرها على انها أقرب الى النظام العربي الرسمي الذي حال دون أن يساعدها في أنجاز هدف الدولة المستقلة، فانه لابد من ' نصح ' حماس الآن بأن لا تقع في الخطأ ذاته، وتنخرط أكثر من اللازم في دائرة النظام العربي الرسمي الجديد، وقد كانت الإشارات الأولى مكلفة، وقد دفع الفلسطينيون ثمنها دما غاليا.كثير من المواقف السياسية الخاطئة التي لا مجال لسردها في هذه المقالة يمكن ان تدلل على أن السياسة تكلف غاليا، وإذا كان الفلسطينيون قد دفعوا من دمهم ثمن الحرية، وبمناسبة الذكرى الثلاثين لصبرا وشاتيلا، فإن ما يحزن هو ان الحرية ما زالت بعيدة المنال رغم كل التضحيات الجسيمة، بما يضاعف من حجم الغصة التي في القلب، وها هم الفلسطينيون يدفعون دما في مخيم اليرموك بدمشق، ثمنا 'لتحالف' مع نظام ادّعى دعمه للمقاومة!.لا بد من القول بأن حركة تحرر لا يمكن لها أن تكون على علاقة جيدة مع نظام مستبد، فمن يقمع شعبه لا يمكن ان يساند حركة تحرر او حركة ديمقراطية في مكان آخر , الا اذا كانت له حسابات خاصة، نقول هذا الكلام ونحن نرى حركة حماس ما زالت توثق علاقاتها بنظام حكم عمر البشير في السودان، كذلك نقول هذا الكلام حتى لا تندفع الحركة، المهمة فلسطينيا، في الانخراط مع نظام حكم الإخوان في مصر، ذلك أن المهم دائما هو دعم النظام الديمقراطي لانه يعبر عن الناس، ودعم القوى الديمقراطية سواء كانت في الحكم او في المعارضة , وعدم ' الأنبهار ' ببريق الحكم .من المهم جدا لحركتين سياسيتيين , مثل فتح وحماس , أن تبقيا على ابوابهما مفتوحة امام جموع المواطنين , وان تدركا ان الواقع الان شديد التحول , وان النجاح السياسي يكمن في , قدرة التنظيم على ألتقاط هذة الميزة , أي ميزة الأعتدال السياسي , وعدم الأنغلاق أو التشدد , خاصة فيما يتعلق بالجانب الفكري / الأيديولوجي , ومن المهم , الحرص على الأنتخابات الداخلية وعلى خوض كل فاعليات العمل الشعبي , وخوض كل الأنتخابات الشعبية من البلديات والأتحادات والنقابات وما الى ذلك . واذا كان الدم الفلسطيني غاليا فأن الدم العربي مثله، ولا يمكن المرور على ما ترتكبه انظمة الحكم العربي من مجازر بحق شعوبها مرور الكرام .ثم لابد من القول بأن الشعوب العربية اولا واخيرا هي الأشقاء , ويجب تجنب الدخول في علاقات ' حميمة ' او تحالفات ما مع أنظمة غير ديمقراطية , بدافع التقارب الأيديولوجي , كما فعلت بعض القوى الفلسطينية مع النظام السوري، وكما هو حال بعضها مع نظام البشير يمكن فقط ان نفهم وجود ' علاقة رسمية ' مع مثل هذة الأنظمة , اما العلاقة غير الرسمية , خاصة علاقة الفصائل والقوى معها فهو امر خاطئ لابد من مراجعته قبل فوات الأوان !