هل لدينا فائض من الأطفال حتى بلغ الأمر بمجتمعنا الى حد الاستهتار بحياتهم، فنتركهم يقضون في المواجهات مع الاحتلال، أو على الطرقات بحوادث السير، او احتراقا حتى الموت بسبب اهمال او انفجار مولدات، أو بقتل او تعذيب على خلفية ما يسمى الشرف، او بسبب تقليد مشهد سينمائي او تلفزيوني مرعب.سمحت لنفسي بطرح هذا السؤال التهكمي الحاد مدركا قساوته من الناحية العاطفية والثقافية على الآباء والامهات والمسؤولين السياسيين والاجتماعيين والتربويين، لاعتقادي أننا بحاجة لأسئلة صلبة صادمة، تجبرنا على اليقظة للتفكير والانطلاق فورا نحو ايقاف دوران دولاب \\\'انتحار مستقبلنا\\\' الذي دفعناه بأيدينا، فكلنا نتحمل مسؤولية انتحار الطفولة الفلسطينية، ليس كطفل رفح الأخير وحسب بل الأطفال الذين قضوا ضحايا إهمال الوالدين، والمجتمع بكل شرائحه بدءا من المربين الاجتماعيين والمعلمين ورؤساء الجمعيات والمراكز المعنية بالطفولة وحمايتها وصولا الى وزراء الحكومة وقادة الأحزاب والفصائل، فبرامجهم خالية من خطط استراتيجية لحماية \\\'كنز البلد\\\'.لا مبرر لوالدين ولا عذر لهما أو لأحدهما اذا ثبت أن اهمالهما كان السبب بالنهاية المأساوية لولدهما ومن هنا يجب ان تنطلق سلطة القانون، فتساهم من خلال نظام عقوبات بزيادة نسبة المسؤولية الملقاة على عاتق الوالدين، فعندما يعلم كل والد او والدة انه مسؤول عن حياة ابنه في اماكن واحوال معينة فان نسبة الضحايا ستنخفض حتما بسبب ارتفاع منسوب الاهتمام والمتابعة الحثيثة لحركتهم اليومية وسلوكياتهم وصحتهم النفسية والعاطفية.لا مبرر ولا عذر للحكومة ولا لمنظمات المجتمع المدني ولا للمراكز والجمعيات المتخصصة وكذلك الدوائر المعنية بالطفولة والعائلة في الأحزاب والحركات، فهذه جميعا كان يجب عليها انشاء وحدات تثقيف خاصة، تتواصل مع اولياء الأمور في بيوتهم واماكن عملهم، في الاحياء المهمشة أو حتى في مراكز المدن، تناقش معهم متطلبات الأمان للأطفال، تقرأ احتياجات لأماكن ترفيه ولقاءات اجتماعية آمنة في ظل رقابة مشرفين متخصصين.قد يكون عدد افراد الأطفال في الأسرة الواحدة أحد أسباب المشكلة، لكن ضعف حيلة وضحالة معرفة الوالدين بمبادئ التربية والتنشئة الصحية السليمة الى جانب فقرهما لمقومات تأسيس عائلة هو السبب الرئيس الأول لهذه الظاهرة حسب تقديرنا، اضف الى ذلك المفاهيم الخاطئة الموروثة حول اساليب التربية وعدد الأولاد.نخشى أن تصبح أخبار مقتل وموت الأطفال في بلادنا كأخبار النشرة الجوية، نتقبلها كأمر واقع لا قدرة لنا على تغيير وجهة رياح أو منع الرعد أو التقليل من حدة المنخفضات الجوية، فالمجتمعات المدنية الحضارية تعتبر الأطفال ملكا عاما للمجتمع والدولة، وحمايتهم فرضا دستوريا. والأصل أن الوالدين هما دائرة الحماية الأولى, وهذه لن يصونها الا قوانين فاعلة تحمي الأسرة وتفرض شروطا على من يقرر الشروع بتكوينها، حتى يكون الطفل ركنا اساسيا فيها وبالمجتمع.